هذه الحكمة أو هذا الدعاء الجميل معكوسه ينطبق علينا نحن أبناء الجنوب العربي من يوم الاستقلال الأول إلى اليوم الذي نحن فيه على أبواب الاستقلال الثاني , وربما يرافقنا إلى حين إذا أستمررنا في عرض وطننا وشعبنا وعقولنا ورؤانا المشتتة ( وقف عام ) سبيل على طريق قوافل الأيام وأجسادنا تشرح على منضدة التجارب والتجاذب ومشرط التشريح يرسم على جلدنا خارطة الضياع ويستأصل الأعضاء المهمة ليعلم وليعتبر بها الغير وربما للبيع قطع غيار للمافيا المتاجرة بالأرض والإنسان . يقول الشاعر الكبير المرحوم عبد الله البردوني : تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها إذا امتطاها إلى أسيادها الذنب فعلا عندما يفقد شعب ما أو يفرط بأهل الأصالة وتحيد الكفاءات ويمتطي الأذناب قيادة الشعوب , تكون النتائج كارثية لشعوب وأوطان , وليس هناك شعب ولا وطن على وجه الأرض إمتطى قيادته الأذناب ردح من الزمن وساروا به من مصيبة إلى منحدر المصائب , ومن كارثة إلى الهاوية التي كاد شعب الجنوب أن يفقد فيها هويته بعد أرضة بعدما أوردوا أولئك الأذناب شعب الجنوب وأرضه غياهب جب الظلمات المعطلة القابعة هناك وراء جبال الظلمات المحاطة بالمكر والغدر والخداع والمسكون قاعها بالأفاعي والهوام التي نتجرع سمومها إلى اليوم وآثارها إلى ذلك اليوم . !!! كثير منا نشر وربما آلاف الجنوبيون نشروا صور ومقارنات بين مدينة عدن وشارعها الرئيسي ومطارها ومينائها الذي كان ثاني ميناء في العالم في ستينات القرن العشرين , وبين أبو ظبي ودبي في بداية السبعينات من القرن الماضي , واستعرضنا الألف فارق وفارق آنذاك بين صورتي عدنودبي أو أبو ظبي وهو في نفس الوقت يتجرع طعنات الخناجر المثلمة في قلبه وذاكرته عن المليون مليون فارق بين عدن اليوم وعجمان لا أبو ظبي أو دبي . لكن أحد منا لم يقارن ولم يذكر الفوارق المليون بين من استلم عدن يوم الاستقلال الأول ببنيتها الحيوية المتكاملة ومينائها الحر ونظامها وقوانينها وقبل ذلك نخبة من الكوادر الاقتصادية والخبرات التجارية العالمية المتراكمة لأبناء عدن ولشعب الجنوب الذي كان ولا زال حي ورائد في نسج العلاقات التجارية مع بقية الشعوب وكانت عدن ومينائها ومطارها قلب الجزيرة العربية النابض وبوابة إفريقيا نحو العالم وكيف فرط أولئك المتنافرين بذلك الأساس المتين , ناهيك عن الجرم الذي ارتكب بحق رموز الجنوب وأصالته وثرواته المكتسبة وأملاك آبائه التي هي موروث الأبناء من جهد متراكم حافظ عليه الآباء من فجر التاريخ . نعم لم يقارن أحد بين من إستلم تلك الجوهرة الثمينة (عدن أم المدائن ) وبين استلام الشيخ العربي الأصيل زايد بن سلطان لقرى الصفيح والكرتون المتناثرة على ساحل الخليج العربي المدقع أبنائها بالفقر والمحاصرة بين أمواج الخليج العربي وصحراء الربع الخالي . لم يقارن أحد منا كيف مضى الشيخ العربي الأصيل زايد بن سلطان عندما أعلن استقلال الإمارات العربية المتحدة بهدوء وروح إصرار وتفاني إلى بناء دولة اتحادية فدرالية إحدى إماراتها السبع لا يتجاوز سكانها 4 آلاف نسمة وأرتضى بها عضو مؤسس في الاتحاد . وبين من إستلم 383 ألف كيلوا متر مربع تمتد شواطئها لأكثر من 1800 كم على خليج عدن وبحر العرب وما تزخر به تلك البحار من ثروات وكنوز , فيها أكبر وأجمل جزيرة في الوطن العربي جزيرة سقطرى الأحلام وكذلك أهم جزيرة في الوطن العربي جزيرة ميون مفتاح باب المندب الذي يتحكم ويربط بين شرق العالم وغربه , هذه الأرض الطيبة كانت فيها دولة في حضرموت و23 سلطنة ومشيخة كانت تشكل اتحاد الجنوب العربي كأول اتحاد فدرالي في الجزيرة العربية أجهز عليه عشية الاستقلال الأول عام 1967 م حين أعلن قيام جمهورية اليمنالجنوبية , ثم طورها الرفاق إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الاشتراكية العظمى التي كان طموح وشطحات قادتها المخترقين يتجاوز الصواريخ العابرة للقارات . ذلك الطموح الذي قاد دفته أبو الفتوح وأصحاب اللحوح وأعلن من عدن بعيد استقلال الإمارات ودول الخليج العربي انطلاقة (( الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي )) والجبهة الوطنية الحوشية لتحرير اليمن وجاك الزعيق يا رفيق : وبالله عليك يا نسر يا طائر يا طائر من جبل شمسان سلم لي سلم لي سلم لي على الأخوان هذه مقدمة لأغنية ( الفنان القدير محمد محسن عطروش الشهيرة ) التي كانت تفتتح بها إذاعة عدن صوت الجبهة الشعبية لتحرير عمان وتستعرض أخبار المقاومة في برنامج ثوري يحلم بالضم العاجل والقريب لعمان والخليج العربي شرقا وللجمهورية العربية اليمنية شمالاً وغرباً بعد أن كان حلمهم ضم تلك الدول والسير بها على طريق التطور الاشتراكي اللاحق كما كان يخطب القادة الرفاق . و يا له من لا حق ماحق بحق الجنوب وأرضه بعد شعبة ,عندما سلم الرفاق زمام القافلة لحادي الشمال الحوشي الذي ربطها بنجاح بقافلة ماضي الضياع الذي يقود ركبه الحمار العفاشي الدحباشي الحوثي ) , (((وما نهيق عبد الوضيع جباري اليوم إلى عينه من ذلك الركب اليماني الذي لا زالت دوابه تحلم بالعودة إلى التمرغ على تراب الجنوب ))) . ومن المفارقات العقلية والأخلاقية اليوم بقايا القادة السياسيين الذين قادوا تلك المرحلة وأمموا المرتفعات الاقتصادية ودمروا الجنوب وشردوا نخبة أبناء عدن , هم الآن وأولادهم مثل الولد أحمد علي عفاش مستثمرين ناجحين وربما شركاء معه في دولة الإمارات .. .. وكل ما هو آت آت ليل داج ومنعطفات خطرة وطرق وعرة وأرضية واهية إذا ظلينا عبرة للملمات وضللنا طريقنا وسلمنا الوطن من جديد إلى أصحاب النفوس المريضة التي لم تتعظ بما حل بأقرانها وأبنائهم في تلك الدول الموازية التي انهارت بفعل ظلم وظلمات طغاتها وعبث أبنائهم وحاشيتهم من أصحاب الفيد وأنصاف العبيد . كم نحن اليوم بحاجة بعد الخلاص من العنجهية والمذهبية ( الزيدية ) التي ابتلينا بها بفعل شطحات الرفاق إلى دولة ( زايديه ) وقيادة مثل زايد وأبناء زايد الخير وعقول مثل تلك العقول الراشدة الذين أوصلوا شعبهم ودولتهم إلى مصاف الدول المتقدمة وربما فاقوا تلك الدول في الرعاية الصحية والاجتماعية بعد العدالة والشفافية , واليوم دولة الإمارات تحتل الرقم واحد بين جميع الدول العربية وما شابهها و في الشفافية ومكافحة الفساد وحققت 70 نقطة في تصنيف الدول الناجحة .
اليوم اعتبروا يا أولي الألباب : بعد 44 عام من إطلاق الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي من ( هنا عدن في عهد الرفاق ) اليوم جيش المؤسس الأصيل زايد بن سلطان وأبنائه من بعده يشارك بفعالية حاسمة في تحريرنا وتحرير أرضنا ,من حكامنا الطغاة لا من مستعمر أجنبي واليوم ودماء أبناء الإمارات تروي تراب عدنوالجنوب عليهم رحمة الله وهم يحررون الجنوب العربي وينتشلون اليمن وبقيادة المملكة العربية السعودية يشكلون الجبهة العربية لتحرير جنوب الجزيرة العربية من التوغل الإيراني ومن ظلم طغاتها . يا لها من مفارقة تاريخية ويا لها من عبرة إذا كان هناك من يعبر الحقيقة الساطعة وليس رؤى الأحلام حتى يقول قائل فرعوني ما نحن بتأويل الأحلام بعارفين أو بمتنطع فرعوني يقول ما أريكم إلا ما أرى !!!. اليوم الهلال الأحمر الإماراتي يقوم بأعمال جبارة وفي زمن قياسي وفي ظروف معقدة وخطرة يستعيد البنية التحتية لكل مرافق الحياة في عدن خلال أشهر معدودة يرمم المدارس والمطار والمستشفيات ويعيد صيانة وتشغيل الكهرباء وشبكة المياه . في ظل غياب دولة الحاح والبحاح و( قولوا لها مع جدتكم وشرعيتكم سحاح قردح براسها الحمار قرداح ) وإلى هنا وينتهي معها ومع عرجونها القديم المزاح .
بقلم / صلاح ألطفي 14 محرم 1437 ه الموافق 27 أكتوبر 2015 م