رحل طبيب السياسة اليمنية ورجلها الأول الأستاذ الدكتور عبدالكريم الإرياني عن عمرا ناهز الثمانين عاما قضى معظمه في معالجة النظام السياسي اليمني وترميمه وإنقاذه لأكثر من مرة من الضياع والتلف والاندثار. فما تشهده الساحة اليمنية من صراع واقتتال اليوم سببه ورم خبيث، كان قد سبق وان حاول استئصاله الدكتور مسبقا بأدواته الجراحية الخاصة واسلوبه الفريد في معالجة المرضى، وكاد ان ينجح لولا تدخل البعض في شؤونه وسحب المغرضون صلاحياته وخذله الجميع، بالإضافة الى عدم امتلاكه لزمام الأمور وعدم انصياع المختصين لأوامره وتوجيهاته الحكيمة. هكذا هي حال اليمن اليوم بعد ان كادت ترى النور بفضل حنكة وقدرة وسياسة الدكتور، اصبحت الان مريضة ومجهدة ومتعبة، بل ومقعدة الفراش ومسلوبة العافية والضمير، بسبب رحيل من كان له الدور البارز والأكبر في تقريب وجهات النظر، بل وجمع الخصوم السياسية والأطراف المتناحرة والجماعات المتناقضة ايديولوجيا وفكريا تحت سقف واحد وطاولة كبيرة تتسع لطرح كل القضايا والملفات الشائكة منذ سنوات، محاولا وإياهم البحث عن سبل معالجتها وكيفية اصلاحها بالطرق السلمية والحوار الوطني الشامل من منطلق الشعور بالمسؤولية لإنقاذ ما يتم إنقاذه من الوطن قبل فوات الاوان.
اليوم وبعد ان سقطت اجهزة الدولة بالكامل في الشمال وفي الجنوب بيد المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية المتطرفة، ودمرت منشأتها وبنيتها التحتية الطائرات والبارجات، سقط الدكتور عبدالكريم الإرياني، ليمثل ذلك السقوط نهاية السقوط وانحرافا للعملية السياسية في اليمن بشكل عام نحو المجهول، وبداية الأنخراط الحقيقي في الصراع الطائفي والمناطقي والقبلي. والسبب انه لم يعد هناك حتى طبيبا واحدا لإنقاذ الحكومة اليمنية والنظام السياسي من داءهما العضال بعملية جراحية مستعجلة، قد تكون ولا تكون ناجحة في ضل هذه المؤشرات الخطيرة والأحداث التي لا تبشر بخير اطلاقا لكل من اليمن والسعودية ودول الخليج.