لم يعد “شمسان محمد”، أحد مقاتلي المقاومة المناهضة للانقلابيين في اليمن، قادرا على السير ليعول أسرته المكونة من 8 أفراد مرة أخرى، فشقيقه الأصغر قتل خلال المعارك التي شهدتها مدينة الضالع جنوبي البلاد، ووالده ملازم لفراش المنزل، بعد أن أجبرته الأمراض المزمنة على ذلك. وباتت أيادي جميع أفراد أسرته مرفوعة إلى السماء، تنشد الفرج والشفاء لأكبر الأبناء، الذي ذهب بقدميه إلى الأردن لتلقي العلاج، وأصبح مقعدا فيها نتيجة “خطأ طبي”، كما يقول هو وجميع زملائه. وحين حاول الانقلابيون الحوثيون والقوات العسكرية الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي صالح، التقدم في شهر يوليو/ تموز الماضي، نحو الضالع مرة أخرى بعد تحريرها من قبل المقاومة الجنوبية، لم يتردد العشريني “شمسان” في العودة إلى جبهة القتال، على الرغم من مقتل شقيقه قبل أقل من شهر في مواجهات اندلعت في جبل السواد بالضالع، وعلى الفور انضم إلى زملائه في المقاومة، اللذين نجحوا في التصدي لتقدم المليشيات، لكن الشاب “شمسان” أصيب حينها بطلقة نارية من سلاح “الدوشكا”، اخترقت جسده في منطقة الحوض وخرجت من بطنه، محدثة أضرارا في معدته ومزقت عصب قدمه اليسرى. وظلّ معيل أسرته الوحيد طوال شهر ونصف، عالة على الأسرة التي بالكاد استطاعت أن تتكفل بفترة علاجه خلال إقامته في أحد مستشفيات عدن، وأعادته إلى المنزل في بلدة حجر سناح، دون أن تنتهي فترة علاجه مرغمة لأن قدرتها المادية لا تسمح لها، ومكث في منزله يشكو آلام إصابته حتى سخر الله له المغادرة إلى خارج البلاد لتلقي العلاج على نفقة الدولة. حقنة الشلل النصفي وفي آواخر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وصل “شمسان” إلى عمّان، عاصمة الأردن مع مجموعة كبيرة من زملائه المصابين، واستُخرجت من جسده بضع شظايا، وبقي تحت الملاحظة الطبية، وكان يستطيع التنقل على قدميه ما بين أحد فنادق المدينة التي يقيم فيها الجرحى اليمنيين، والمستشفى الذي يتلقى فيه العلاج، إلى حين فُجع في أحد الأيام أثناء استيقاظه من نومه بأن نصف جسده لا يتحرك مطلقًا. دون أن يدرك أنه أصيب بإعاقة في قدميه، وبقي يستنجد بعمه الذي يرافقه وجميع زملائه في الفندق، علّه يجد من يوقظه من نومه لينهي هذا الكابوس المزعج والذي يكاد يخنقه، لكنه كان مستيقظا ولم يدرك حقيقة وضعه إلا في إحدى عربات الدفاع المدني الأردني التي نقلته إلى المستشفى. ويقول “شمسان”، في حديثه ل”إرم نيوز”، إنه في اليوم الذي سبق هذا اليوم، تلقى حقنة فيتامينات هي الأولى من ثلاثين حقنة أخرى سُجلت لعصب قدمه اليسرى، وكان يشعر بألم لازمه طوال اليوم حتى آوى إلى النوم بعد حقنه بها، وأفاق في اليوم التالي عاجزا عن تحريك قدميه معاً. وتابع؛ “لا يعترف الأطباء في المشفى بخطئهم، حاول عمي أن يفهم من الأطباء سبب ذلك، فأجروا لي فحوصات ورنين مغناطيسي، وقالوا إنني مصاب بالتهاب في العصب، وهو ما أدى إلى شلل نصفي، ومن يومها لم أرى الدكتور الذي ضرب لي الإبرة مرة ثانية”. ورغم زيارة نائب وزير الصحة اليمني له الأسبوع الماضي، يشكو “شمسان” من عدم متابعة اللجنة الطبية اليمنية التابعة للسفارة اليمنية في الأردن ولا مندوبيها، لحالته وحالات الجرحى الآخرين، رغم إبلاغه المسؤولين اليمنيين بوضعه الجديد، لكن تفاعلهم لم يكن موازيا لمصيبته، التي ستطال جميع أفراد أسرته ولحجم تضحياته في قتال الانقلابيين، وكان متذمراً من الإهمال الذي يلاقونه مؤخرا من إدارة المشفى، ولا يعلم سببا له. ثمة أمل زرعه الأطباء في نفس “شمسان”، ليعود مجددا إلى مزاولة عمل كبائع للقات وعائلا لأسرته، يسير على قدميه بحرية دون الحاجة إلى كرسي متحرك يعينه في تنقلاته، حيث أخبروه مؤخرًا أنه سيلحظ تحسنا خلال الأسبوع المقبل، ما أعاد الفرحة إلى صدره وجعله يبادر بالاتصال على الفور بوالديه ليخبرهم بذلك الخبر السارّ. المعاناة تلاحقهم أصوات عشرات الجرحى المقاتلين إلى جوار الشرعية اليمنية والمبتعثين إلى الأردن والسودان لتلقي العلاج، تتعالى باستمرار، يشكون إهمالهم وتهديدهم بالطرد من محل إقامتهم نتيجة الديون، التي تراكمت على الدولة نظير الإقامة الفندقية وتكاليف العلاج في المستشفيات، وتركهم دون مصاريف شخصية، دفع البعض منهم إلى المطالبة بإعادتهم إلى اليمن وإبقائهم دون علاج حتى لا تستمر إهانتهم، فيما هدد آخرون بإحراق أنفسهم احتجاجا على استمرار بقائهم دون حلول طبية ودون أي تحسن مذكور في صحتهم. وتقول “رنا السقاف”، المعنية بمتابعة شؤون جرحى المقاومة في عدن، ل”إرم نيوز” إن “أبرز مشاكل الجرحى المقيمين في الخارج لتلقي العلاج، تكمن في الملحق الطبي والمندوبين اليمنيين الذين يمارسون الفساد بحق الجرحى، كما أن وضع الجرحى العام مأساوي للغاية، خصوصا بعد تراكم الديون لدى الجانب اليمني للمستشفيات والفنادق التي يقيم فيها المصابين”. وأشارت السقاف، إلى أن هنالك جرحى يحتاجون لنقلهم إلى دول أخرى تتوفر لديها الإمكانيات الطبية لعلاج بعض الجرحى. مؤكدة على ضرورة عودة مطار عدن الدولي إلى العمل مجددا، لأن عملية نقل الجرحى إلى مطار سيئون بمحافظة حضرموت، شرقي البلاد، يعتبر أمرا صعبا لبعد المسافة بين المحافظتين وصعوبة نقل الجرحى منها إلى عدن عبر رحلات برّية. بدوره، حمّل المحامي المطلع على أوضاع الجرحى، أكرم الشاطري، السلطات اليمنية أسباب التقصير بحق جرحى المقاومة الذين دافعوا عن البلد. وقال ل”إرم نيوز”، إن “هناك تجاوزات وفساد يمارس على الجرحى، يبين بما لا يدع مجالات للشك أن السلطات ليست مقصّرة فحسب، بل تكلّف أشخاصا غير أكفاء لمراقبة أعمالهم اللا قانونية، من حيث التصرف بالرحلات والمحاباة والتصرف بتذاكر سفر الجرحى وغيرها، إلى جانب عدم مراقبة ما يجري في المستشفيات من انتهاكات بحق الجرحى كإصابة الجريح شمسان بالشلل النصفي، الذي واجهته اللجنة الطبية دون تحريك ساكن، وصرف علاجات منتهية الصلاحية وغيرها من التجاوزات”. الحكومة تعترف بالتقصير الخميس الماضي، وعدت لجنة حكومية مكونة من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخدمة المدنية والتأمينات، عبدالعزيز جباري، ونائب وزير الصحة، عمر مجلي، والملحق الطبي بسفارة اليمن لدى الأردن، عبدالوهاب العلفي، المصابين في الأردن، بحلول ستعالج وضعهم خلال أسبوع. وحصلت “إرم نيوز”، على تسجيل مرئي سُرب من لقاء جمع اللجنة الحكومية بالجرحى المتواجدين في الأردن، أقرّ فيه رئيس اللجنة عبدالعزيز جباري، بأن الجانب الحكومي مقصر تجاه الجرحى، وأن الحكومة وضعها المادي ضعيف نتيجة استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها وإمكانياتها المادية. وقال جباري، إنه سيبحث مع رئيس مجلس الوزراء لإيجاد وسيلة لنقل للجرحى الذين تماثلوا للشفاء إلى عدن، وهناك آخرين بحاجة للعلاج والحكومة ملزمة أخلاقيا ودينيا ووطنيا بالتعامل مع الجرحى حتى يتماثلوا للشفاء، “وسنبحث عن إمكانية العلاج في هذه المستشفيات أو في غيرها حتى خارج المملكة الأردنية، إذا ما استدعت الضرورة نقل بعضكم إلى دول أخرى (…) فنحن مسؤولون مسؤولية كاملة أمام الله وأمامكم وأمام مواطنينا عن جميع الجرحى”. وأعلنت الحكومة اليمنية في مناسبات متكررة، أن ملف علاج الجرحى من مختلف المحافظات، يمثل إحدى أولوياتها تقديراً للتضحيات والأدوار البطولية، التي قدمها هؤلاء دفاعاً عن أرضهم ووطنهم. ويوم أمس السبت، وجه نائب الرئيس اليمني ورئيس مجلس الوزراء، خالد بحاح، بسرعة متابعة قضايا الجرحى والمصابين والتنسيق بين وزارة الصحة وقيادة محافظة عدن والمقاومة من أجل استكمال هذه القضايا بصورة عاجلة . وعلى مدى الأشهر الماضية، أرسلت السلطات اليمنية عددا من جرحى المقاومة على دفعات إلى الخارج لتلقي العلاج. ويبلغ عدد الجرحى منذ انطلاق الحرب، نحو 10 آلاف و262 جريحاً، طبقا لإحصائية أعلن عنها مكتب الصحة في عدن. *من عبداللاه سُميح