مثل فك الحصار عن مدينة تعز لحظة مفصلية في مسار الصراع بين الحكومة (الشرعية) ومناصريها وبين الجماعة الانقلابية التي يسميها اليمنيون تحالف (الحوافش) وربما مثل هذا انكسارا كبيرا للمشروع الحوثي العفاشي، ويعتقد بعض المتابعين لمجريات الصراع اليمني بأن هذا قد يكون سببا في ما أبداه الحوثيون من تراجع في درجة العناد وما أظهروه من استعداد للتعاطي مع القرارات الدولية والتهيؤ لجولة جديدة من المشاورات في الشهر القادم. في الجانب الآخر مثل كسر الحصار عن تعز دفعة قوية للمقاومة التعزية باتجاه التحرير الكامل لمدينة تعز والمديريات الواقعة تحت سيطرة الحوافش مثلما مثل ترجيحا لكفة السلطة الشرعية وتعزيزا لموقعها التفاوضي في أي تشاورات قادمة.
على إن ما يستحق التوقف هو تلك الشطحات الإعلامية لبعض الإعلاميين المحسوبين على تعز والذين بدأوا يشخطون وينخطون ويوزعون الاتهامات هنا وهناك على كل ما يعتقدون أنه (يتآمر) على محافظتهم ويغار من انتصاراتهم.
بدأت الحكاية تستهدف اللواء الركن أحمد سيف اليافعي قائد المنطقة الرابعة وذهب البعض إلى اتهامه بالتآمر على تعز بحجة أنه ينوي إرسال بعض العسكريين الذين انسلخوا عن معسكر الحوفش وأعلنوا ولاءهم للشرعية، وقال آخرون أن اللواء سيف قد استولى على مخصصات تعز من الأسلحة واحتجز أسلحة أبناء تعز وهي كلها أقاويل لم يقدم مروجوها برهانا واحدا على مصداقيتها، لكن الحملة استمرت لتصل إلى الرئيس هادي حيث سمعنا من يتهمه بالتخاذل والتخلي عن تعز، ويأتي هذا الاتهام على خلفية محاولة تحالف الحوافش استعادة السيطرة على جبهة الضباب وإعادة الحصار على تعز من جديد.
هناك حقيقة تغيب عن الكثير من إخوتنا الإعلاميين في تعز وسواها وهي حقيقة كنا قد قلناها منذ اليوم الأول للحديث عن الجيش الوطني (الموهوم) ونعيدها هنا للتذكير ليس إلا، وهي إن مقولة "الجيش الوطني الموالي للشرعية" هي مقولة زائفة ولا وجود لها على الأرض بدليل أن عشرات الألوية المنتشرة في مناطق الجنوب والتي تدعي ولاءها للشرعية لم تحرك حضيرة واحدة لنصرة المقاومة في شبوة وأبين وعدن ولحج والضالع، بل لم تحرك طقما واحدا لمواجهة تنظيم القاعدة الذي يبسط سيطرته على الكثير من المدن والمديريات نهارا جهارا في حين يخيم هؤلاء في معسكراتهم بانتظار المنتصر الأخير لإعلان تأييدهم له، إن لم يكونوا قد قاموا فعلا بتأييد أعمال القاعدة وتسهيل مهمتها ومساندة الانقلابيين وتسهيل تمويلهم وتموينهم بضروريات المعركة.
ولو عدنا بالذاكرة إلى الأيام الأولى للحرب على عدن ومحاصرتها لتذكرنا أن المقاومة في عدن تكونت من ثلاثة روافد أساسية: الأول هم شباب الثورة الجنوبية الذين انخرطوا في الفعاليات السلمية على مدى أكثر من سبع سنوات وقد جاءت الحرب وهم في حالة من الهيجان والتعطش والاستعداد النفسي للمجابهة والتضحية وإن لم يكن لديهم ما يكفي من الاستعداد المهني والتقني ، والثاني هم الضباط والجنود الجنوبيون الذين استبعدوا بعد حرب 1994م ولم يتم استيعابهم في الوحدات العسكريية ولم تتم تسوية أوضاعهم، بل ظلوا في بيوتهم حتى اندلاع الحرب التي انخرطوا فيها بهمة وبطولة نادرتين، والثالث هم بعض الشباب من التيار السلفي العائدين من صعدة بعد ترحيل طلاب معهد دماج وعودة الكثير منهم إلى محافظاتهم ومن انظم إليهم من السلفيين المستقرين في محافظات الجنوب، هذه الروافد الثلاثة كانت القوة الأساسية الضاربة التي تصدت للمشروع الحوثي العفاشي وحررت عدن ولحج والضالع وأبين وبعض مناطق شبوة، ومن المؤكد أن عددا قليلا جدا منهم كان من الضباط النظاميين الذين استمروا في الخدمة بعد حرب 1994م، وشاركوا في مواجهة المشروع الحوثي العفاشي، أما من يسمون بالجيش النظامي الرسمي فقد اختاروا مؤازرة الانقلاب وكانت نهايتهم معه، وقد انسحبوا من عدنومحافظات الجنوب يوم انسحب الحوثيون وعادوا إلى المحافظات التي أتوا منها.
لست أدري هل يعلم الإخوة المقاومون والإعلاميون من أبناء تعز أن عدن المحررة و(العاصمة المؤقتة) ومقر إقامة الرئاسة والحكومة عانت وما تزال تعاني من الفراغ الأمني وينقصها العدد البشري الكافي لحراسة المنشآت ومواجهة عصابات القتل والتخريب والإجرام وأن من يتولى هذه المهمات هم رجال المقاومة الذين لم يستوعب بعضهم حتى اليوم في صفوف الجيش والأمن، هذا طبعا بالتعاون مع من تبقى من رجال الأمن والجيش ممن عادوا إلى عملهم مع بداية الحرب؟
لا يمكن الادعاء بأن الحكومة ورئاسة الجمهورية تقوم بعملها على أكمل وجه فهناك الكثير مما ينبغي تصويبه وتحسينه ومضاعفة الجهود من أجل الارتقاء به، لكن الاستعجال في توزيع الاتهامات واصطناع العداوات وصناعة خصوم من جبهة الأصدقاء لا يخدم المعركة وأهدافها بقدر ما يقدم خدمة مجانية للمتربصين بتعز وبكل البلد، كما إن المكاسب التي تحققت في ميدان المواجهة مع التحالف الانقلابي تتطلب من المقاتلين الذين صنعوها والذين يلحقون أمر الهزائم بهذا التحالف أن يتقنوا فن حماية هذه المكاسب والدفاع عنها وأن لا ينتظروا من أحد أن يحميها نيابة عنهم.
سينكسر التحالف الانقلابي في تعز كما انكسر في عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة ومأرب، فتلك هي حتمية مصير النبتة المزروعة قسرا في غير أرضها وتربتها ومناخها، لكن هذا يتطلب من أبناء تعز أن يثابروا في الدفاع عن النصر وأن يستبسلوا فيه مثلما استبسلوا ويستبسلون في مواجهة الغزاة الحوثيين والمتحوثين ومثلما أذاقوهم ويذيقونهم أمر كؤوس الهزيمة ، بدلا من البحث عن متهم يعلقون عليه ما تجري من انكسارات هنا أو هناك من تلك التي تمثل ظاهرة اعتيادية في معارك الكر والفر.