عندما التقيت فيه لأول مره كنا مجموعة من الاصدقاء في مقيل عام ، وقد لفت انتباهي من بين كل الحضور ، وتهيئ لي في البداية ان هذا الرجل يمزح بكل شيء و ان حياته عبارة عن نوع من المزاح المستديم و لأشيء جدي في حياته على الاطلاق . و مع مرور الايام و عندما توطدت معرفتي به جيداً ادهشني ان كل ما كنت اظنه مزاح و غير هذه هي سجايا الرجل . ولم بي الوقت حتى اكتشف ان هذا الرجل ثوري من نوع نادر و مناضل صلب ، تأصلت فيه قيم النضال التي ظل يحملها في نفسه على بساط من الايمان المفرط ، وكانت تعكس على محياه نوع من الفرحة و السعادة الجلاء، هي الشيء الوحيد الذي ظل يتعبد في محرابها بتصوف ، ويتبحر في اسفارها ، تبحر الناسك ، المشبع بالتقوى ، حتى جعل من روحه ، وقفاً لها ، بقناعة تملئ كل كيانه . و عندما دلفت لأول مرة في منزله وجدت داخله اشياء زادة من دهشتي اكثر، فوجدت بداخله بندقيه نصف اليه معدله ، قام بتعديلها بنفسه و حولها الى بندقية قناص ، وزودها بناظور مقرب ، واستبدل مخزون الطلقات العشر ، بمخزن آخر يستوعب ثلاثين طلقة ، و وجدت لديه مدفع هون عبارة عن مأسورة بدون قاعدة و بدون منظار و بدون زوايا يمين يسار أو ارتفاع أو نزول وكان يستخدمه الشهيد ببراعة لا يستطيع الا هو ، وعلى الرغم من اننا في اوج النضال السلمي آنذاك الا ان الشهيد كان يستخدم هذا السلاح و بصورة مستمرة، حيث كان يذهب مساء كل يوم الى خارج مدينة الحبيلين وقام ببناء جدار ليضع مدفعه الهون عليه ، و يأخذ زوايا الاحداثيات من محرك البحث جوجل أرث من جهازه المحمول الذي كان لا يفارقه ويجيد استخدامه ببراعة ، وكانت قذائفه قل ما تخطأ اهدافها ، و لا يكتفي احياناً بطلقة واحده ينفذها على القطاع الغربي في منطقة الحبيلين الذي كانت تتمركز فيه قوات الاحتلال الغاشم ، علماً انه لا يرمي بطلقة من مكان واحد لكي لا يكتشف موقعه بل كان يقوم بتنفيذ كل طلقة من موقع يختلف عن الاخر متحمل كل العناء و المشقة برحابة صدر و رباطة جأش ، وكان يعود لتوه و على ثغرة ابتسامة خفيفة مازحة ، وغالباً لا تغيب عن محياه . كان الشهيد يعمل بإخلاص دون ان ينتظر من احد حمداً او شكورا هكذا هي روحه النقية الصافية المرحة منذ عهدناه في خضم المسيرات و النضال السلمي للحراك الجنوبي ، الذي كان لا يتغيب عنها مهما كلف الثمن ، وعندما اشتعلت الحرب الحوثية العفاشية على الجنوب ، كنت انا في مدينة الضالع ولم اعلم في اي جبهة هو ، لكني كنت على ثقة بانه سيكون من اوائل من حمل السلاح ، ولم اسمع الا بخبر استشهاده في مدينة المعلا محافظة عدن ، وكان لدي يقين ان هذا الرجل الذي اوقف حياته للثورة بهذه القناعة المطلقة من انه حتماً سيقدم روحه في سبيلها ، لأنه قد سبق و اعد نفسه لهذا الارتقاء و التسلق الى الأعالي عند النجوم . تخيلت كيف سيواجه يعقوب لحظة الشهادة مؤكد بابتسامته الخفيفة المازحة التي طالما رأيناها و بعثت في نفوسنا السرور و الاعجاب . الى جنات الخلد صديقي يعقوب فقد نلت ما كنت تبتغيه ، وتفوقت علينا في حياتك و في شهادتك اما الجبناء سينالون جزاءهم لا ريب.