كان بالإمكان تفادي وقوع المشكلة التي أثارت الكثير من الجدل والمتمثلة في ردود الفعل على التعرفة الجديدة لاستهلاك الماء من خلال برنامج توعوي دقيق لكن ذلك لم يحدث. الذي حدث أن الوزارة والشركة شرعتا بالتطبيق ووقعت بعض الأخطاء. كثمن لذلك وجدت الحكومة نفسها كما قرأت أخيراً مضطرة لتأجيل التطبيق والتوجيه بالقيام بالتوعية المطلوبة خلال الفترة المتبقية من هذا العام على أن يبدأ التطبيق من جديد في العام الهجري المقبل. الذي يجب علينا إدراكه هنا وخلافاً لما قد يتصوره الناس، هو أن الدولة مع تطبيق التعرفة الجديدة على المياه تحديداً، لا تهدف إلى زيادة مواردها بقدر ما تهدف إلى الإقلال من الإسراف في استعمال المياه الذي لا يمكن تغطية تكاليفه إضافة إلى الشح الواضح في كمياته.
وطالما أن الحديث اليوم يدور حول الدور التوعوي وتحضير الرأي العام، أتمنى لو يستمع منظمو هذا البرنامج التوعوي إلى هذا الاقتراح وتتم إضافته وتطبيقه خلال هذه الفترة. إضافة لحملات التوعية والترشيد التقليدية، لم لا نخضع مجموعة منتقاة من المنازل بقياسات ومواصفات متباينة في عدد أفراد الأسرة وتنوع في المساحات ونحو ذلك إلى التعرفة الجديدة ابتداء من اليوم كنماذج حية، ثم تتم مراقبة الفواتير والاستهلاك بشكل دوري وتعرض نتائج التجربة إعلامياً؟ نحن بهذا نضع أمام الناس تجارب عملية وليس فقط نظرية لأن ما ستتم مناقشته مع ملاك المنازل المذكورة على شاشات التلفزيون يعتبر أمراً واقعاً ومحسوساً. نعم تستضيف البرامج التوعوية أرباب المنازل الحقيقيين وتستعرض تجربتهم بدءاً بالاستهلاك لفترة ما قبل التطبيق مروراً مع البدء فيه والعمل على التوفير والإقلال من استهلاك المياه. أجزم بأن عرض مثل هذه التجارب سيكشف الخلل التقني الذي نجمت عنه مطالبة شركة المياه بمبالغ خيالية ناتجة من أخطاء في الإجراءات وسيطور مهارات ملاك البيوت وساكنيها في توفير المياه ومن جهة أخرى سيقطع الطريق على الكثيرين ممن وجد في هذا التطبيق ضالته وحاول الظهور بمظهر المناضل المدافع عن الحقوق كما شاهدنا أخيراً عبر وسائل الإعلام. في هذا السياق ومع البدء الفعلي ببرامج التحول الوطني نحتاج برأيي إلى الكثير من تطبيقات علوم التغيير وهي علوم إدارية مستقلة تعنى بالأطر والخطط الواجب اتباعها قبل البدء بتغيير أي نظام أو خطة عمل من مرحلة إلى أخرى. جميعنا يتذكر اللغط والجدل حول تطبيق برنامج المرور «ساهر». حدث ذلك بسبب تدني مستويات الوعي لدى معظم السائقين بأهمية البرنامج وكيفية عمله. سبب ذلك بالطبع لأنه لم يتزامن ذلك التطبيق مع التوعية المطلوبة ولولا الإصرار على العمل به فلربما تم إلغاؤه في المهد. وبمناسبة الحديث عن المرور فإن جهل السائقين اليوم بنوع المخالفات هو السبب الرئيس لتعدد الحوادث البسيطة وتعطل المسارات ولا أدل على ذلك من قانون احترام المسافة بينك وبين العربة التي تسير أمامك. لو كنا نعمل على مبدأ المحافظة على ثلاثة أمتار بين السيارة والسيارة الأخرى في القيادة أوقات الزحام لتفادينا ربما معظم الحوادث البسيطة الناتجة من تلامس السيارات ببعضها في حوادث تافهة لكنها تعطل السير وتسبب الاختناق. الوعي بالطبع لا يمكن أن يتحقق من دون المتابعة الصارمة للمخالفين وهذا هو العامل الأهم في مشكلات السير لدينا، إذ يتضح للجميع مدى تهاون وتساهل رجل المرور في معاقبة المخالفين.
سننتقل إلى مراحل جديدة في ضبط الإنفاق وهذا يعني حرفياً رفع مستوى الإنتاج من دون الحاجة لرفع النفقات. بمعنى آخر سنطالب الجهة أو الموظف بأن يكون مسؤولاً عن حزمة من المهمات التي كان يقوم بها خمسة موظفين في السابق أو خمس جهات. لكن تهيئة هذه البيئة أولاً وشرح الوسيلة والمنهجية المؤدية لذلك ستكون في غاية الأهمية قبل البدء بالمشروع وإلا سنفشل في الوصول للأهداف.
لا فرق بين هذه الأعمال وما تمارسه الجيوش من تدريب ومناورات تضعهم في حال الاستعداد الكامل للدخول في مواجهة جديدة من وقت لآخر وبحسب ما تمليه الظروف المحيطة. لا فرق بين التحضير لتعرفة جديدة للمياه والتحضير لتشغيل مطار جديد أو مناسبة تجمعية أو مؤتمر دولي. لا يمكن أن تأتي بفريق عمل في مطار قديم وتطلب أن يقوموا بتشغيل مطار جديد وأنا هنا أتحدث عن الاستعدادات العملية والتعليمية والنفسية.
حتى نتمكن من التنقل من مرحلة لأخرى ومن مستوى إلى مستوى آخر من المهنية والدقة في كل تفرعات الحياة وحديثي هنا عن البيت والعمل الحكومي والقطاع الخاص لا بد من الخضوع لقواعد «التغيير» التي أشرت لها. خلاف الأخذ بهذه المبادئ والمضي في تطبيق التحول يؤدي غالباً إلى التردد والحيرة وبالتالي إلى الفشل وإهدار المال وإنفاق المزيد منه من جديد للمحاولة مرة أخرى بتكاليف أعلى ومدد زمنية أطول.