يبدو ان ما عُرف بالضغوطات الدولية على الأطراف اليمنية المتفاوضة ومن ورائهم دول الإقليم، وبالنظر لطبيعة تعامل وفد طرفي الانقلاب، أنتجت محاولة لكسب الوقت ليس إلا! فإلحاح الحوثيين على تقاسم السلطة قبل أي شيء غدا أمراً مفضوحاً. وفي حال فشل هذه المفاوضات فسيخلق واقع جديد سياسي وفي جبهات القتال والتي بدأت سخونتها حتى في الحدود اليمنية السعودية تلك الجبهة التي كانت بمنأى عن القتال كما هو في العمق لبضعة أسابيع فقد استؤنف إطلاق الصواريخ وكانت كسابقتها محاولات فاشلة في معضمها. ويعكس هذا التصعيد فشل الحوثيين في تعطيل مشاورات الكويت وهو في نفس الوقت ما ينسف تفاهمات سابقة لم تُثمِر سوى إطلاق أسرى من الطرفين لكن بعدها السياسي لتأسيس حالة سلام فرطت به الميلشيا وأكدت شكوك إقليمية بأن هرولتهم لظهران الجنوب لإبرام تلك المبادئ ما هي إلا بإيعاز إيراني، واتضح بان الطرفين، الميلشيا والجانب السعودي، كل منهما يناور ويضمر الشر للآخر! فهذه الأخيرة كانت تهدف لاحتواء ناعم لتمدد وتطلع هذه الميليشيا ناهيك عن هدف أهم وهو تفكيك تحالفهم مع الرئيس السابق، بينما الحوثيون يريدون تحييد طائرات التحالف على الاقل في بؤر معينة ليتسع لهم هامش المناورة. اللافت بأن الانطباع الاول لاي مراقب وراصد لسير تلك المفاوضات يرى بأنها غدت عض اصابع كي يضغط على الطرف الآخر للانسحاب لتحميل الطرف الآخر تُهمة فشل المفاوضات، ومن خلال تصريحات وسلوك وفد الحكومة الشرعية يظهر بأنها ماضية بمواقفها الثابتة ولن تفرط بها قيد أنملة لإيصال رسالة للرأي العام اليمني أولاً ولدول الإقليم والمجتمع الدولي وفضح طرفي الانقلاب. فوفد الشرعية لن ينسحب ليعطي ذريعة لوفد طرفي الانقلاب. ومن جهة ثانية فأن التوتر ملاحظ أيضاً. فالحوثيون نقلوا اليوم منظومة صواريخ إلى حدود لحج، ومع ذلك لا يتجرأون على إطلاقها على قاعدة العند بعد عودة القوات الأميركية لمواقع سابقة ظلت فيها لسنوات، ومعلوم بأن هدف الحوثيين في مشاورات الكويت ليس لإيقاف الحرب، وإنما للاعتراف بهم وشرعنة انقلابهم وتقاسم السلطة قبل كل شيء! أسابيع أنقضت في الكويت دون تحقيق شيء يذكر إلا في أمور شكلية بينما ظل الاختلاف واضحا وعميقا في جوهر التفاوض لاختلاف الأطراف في مرجعيات التفاوض، وقد غدا واضحاً من سياسة النفس الطويل للانقلابيين والتي هي محاكاة للسياسة الإيرانية إزاء مفاوضاتها الطويلة في ملفها النووي، وكأن الحوثيين على طاولة المفاوضات في دور شهرزاد في قصص ألف ليلة وليلة التي دأبت من خلال حكاياتها اليومية تجنب وتأخير عقاب الملك شهريار حسب ما تقول الأسطورة. ووفق مسوغات واقع الحال السياسي وفي جبهات القتال فأن مثل هذه المراوغة إنما تأتي للتملص من إلتزامات تطبيق المرجعيات المُتفق عليها. فهم قد يخسرون كل شيء. فعلى سبيل المثال يستغلون تعاطف الشارع اليمني جراء تداعيات قضية طرد مجاميع من أبناء الشمال في محافظة عدن ويحاولون فرض أجندة مستحدثة وطارئة. ولعل المراقب الحصيف يتبين له جلياً الربط بين ذلك السلوك المريب على هامش مشاورات الكويت وبين تداعي الحالة الامنية والتهجير العنصري القسري في عدن ليتبين له بما لا يدع للشك مجال بأن إيران هي من تمول رموز الحراك الجنوبي وتوعز في نفس الوقت لمفاوضيها بطرح هكذا مواضيع جانبية رغم أن أولويتها ليست أهم من تطبيق القرار الدولي واستعادة الدولة. وإجمالا غدا الرأي العام واعياً لخطورة سوء النوايا في هذه المشاورات والتي قد تفضي لسلام هش بإشراك من عبث باليمن لعقود وكذا من قفز على الإجماع بعد حوار وطني طال أمده. يأمل الكثيرون ان لا تضيع آخر فرصة للسلام، فمن يدري ما تخبئه الأقدار فقد يكون التفاوض القادم على أبواب صنعاء للخروج بماء الوجه وربما أسوأ من ذلك. فخلال أسابيع الهدنة ظهر الحوثيون على حقيقتهم تماماً دون مواربة، في جملة من السلوكيات ليس العسكرية والسياسية فحسب بل تعدى ذلك لاعتبارات اجتماعية واقتصادية غدت جلية في إيقاع الشارع اليمني مؤخراً، الذي أبدا حنقاً وتذمراً للحالة التي وصل اليها اليمن في كل تفاصيل حياته اليومية. اليمنيون في الجملة يريدون سلاما دائما وليس توافقا ومحاصصة. فالإشكالية ليست سياسية حتى يلهث البعض لاقتسام المناصب، ومن هنا خيراً للشعب اليمني ان يبقى حال ما سمى بسلطة الأمر الواقع على أن يتورط الوفد الحكومي في حل يبقي الحوثي مسلحاً ومؤدلجاً بعقيدته العدائية العنصرية يهدف لاستنساخ حزب الله في اليمن وفرض تيار "الثُلث المُعطل". وآنذاك ستتوارى أي مقاومة يمنية مستقبلاً لأنها ووفقاً لأي اتفاق مفترض لن تكون "مقاومة" بل ستندرج لمسمى حركة "إرهابية" وفق تعريف المجتمع الدولي. وهنا تكمن الخطورة، فاليمنيون لا يستفيدون من أخطائهم السابقة فتجريب المجرب ضرب من الحماقة!