أنه تشرين حان قطاف الياسمين وزهور الجوري والنسرين ازهار من فل ورياحين ذابلة وأخرى ناضرة تقطف في تشرين لو انك تدرين آه كم أنا حزين كم في القلب هيام وحنين وكم تحت الضلوع من حسرة وأنين انه موسم الحصاد يابنيتي وقد طال..منذ سقوط بغداد ونحن في موسم حصاد تختلف الآلآت لكن الحصاد واحد ، منا من يحصدون بالمنجل او بالسرطان او بالكوليرا او بطائرات الفانتوم او بدبابات آبرامز او بالجوع أو بالعواصف أو بسيوف الفتح وخناجر المجاهدين والمناكحين أو بالضنك او بالثورات تعددت الآلآت والحصاد واحد
لكني لا أخفيك يا أميرتي الصغيرة أني أقل حزنا عليك وأنا أتخيلك كالملاك النائم مسجاة بالبياض من أعمق أعماقك إلى أجلى مظاهرك أقل حزنا مما كنت عليه حين كنت أراك على فراش المرض تعانين خبث الدواء مثلما تعانين خبث الداء وقد أوصلت إليك الأسلاك والأنابيب فالفرح لك أضحى اهون من الحزن عليك وقد شاء الله ان ينقلك من دار الأموات الى دار الحياة ومن مرابض البلى والاجساد والجثث الى موطن الأحياء والأرواح ومن دار الفناء الى دار البقاء
وكأني بك وانت تنظرين ألينا وقد صرت روح طاهرة زكية نقية وقد تحررت من الجسد الفاني ترثين لحالنا وكأني بك تقولين ياحسرتى عليكم وأنتم أموات في لباس أحياء تتجرعون الذل في كل يوم ولاتكادون تسيغونه يأتيكم الموت من كل مكان وما أنتم بميتين ومن ورائكم عذاب غليظ وليل طويل وقهر مستديم
أتخيلك تتأسفين لحالنا وقد تركت لنا ادويتك وألعابك وثيابك ومشابك شعرك ودفاترك التي مازالت في حقيبتك بيضاء وجرعات دواك القاتل وتخلصت من وخز الإبر وارهاق الأجهزة وتقولين لهف نفسي عليكم وأنتم ستنتقولون من دار ظلم إلى دار ظلم ومن أرض حرب الى ارض حرب ومن وطن ذل إلى وطن قهر
أيتها الطيف العابر أيتها الصفحة البيضاء التي طويت ولما يكتب بها سوى سطرين سامحينا لم نستطع أن نعمل لك فوق ماعملنا ولن تجود أعيننا بدموع فوق ما سفحنا هكذا كنا ونكون حين يتعلق الأمر بقرار مولانا وقضائه نصبح عاجزين مهطعين مقنعي رؤوسنا لا يرتد إلينا طرفنا وافئدتنا هواء هذه حكمته وهذه مشيئته وأنت بين يديه أكرم وأنعم واهنأ مما كنت عليه حين كنت بين أيدينا
نامي في مخدعك وكأنك عروس تزف في ليلة عمرها ودعينا نصارع البقاء في هذه الدار المقفرة مع الوجوه المكفهرة التي تعلوها غبرة وترهقها قترة إلى حين واللقاء في الجنة ان شاء الله وعسى ان نراه بعيدا ويراه من بيده الأمر قريبا بلى وربي إنه لحق مثلما أنكم تنطقون وكل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون مع محبتي وحسرتي ودموعي وحنيني وعزائي
* الطفلة نهى وضاح سعيد توفيت اليوم في القاهرة بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان