في السابع عشر من شهر نوفمبر قبل أربع سنوات من الآن ودع هذه الدنيا الفانية وغاب عن أعيننا الى الابد الشاعر الغنائي العربي الكبير يسلم بن علي بعد رحلة عطاء فنية طويلة تعدى عمرها الخمسة العقود كانت مليئة بالأبداع حافلة بالنجاح. قبل رحيله بما يقارب السنتان عاد الشاعر يسلم بن علي من وجهة اغترابه الطويل في المملكة العربية السعودية الى ارض الوطن وأستقر به المقام في قريته الصغيرة (عماقين) بمديرية الروضة محافظة شبوة وفيها تمكن منه المرض الذي أضرحه الفراش حتى وفاته على الرغم من بعض محاولات أسرته عرض حالته على عدد من الاطباء في الداخل في ضل صمت بل تجاهل وزارة الثقافة والسلطة المحلية في شبوة الذين وجهنا لهم عدد من المناشدات لإنقاذ حياته الا ان الصمت والتجاهل كان سيد الموقف اللهم من زيارة له في ايامه الاخيرة قام بها آمين عام المحافظة الاستاذ عبدربه هشلة ومنحه مبلغ مالي يقدر بنصف مليون ريال. أستمرت حالة بن علي الصحية وازدادت تدهورا حتى انتقل الى بآرائه يوم 17 /نوفمبر /2012م في مستشفى أبن سينا بحضرموت وبرحيلة انطوت من قاموس حياتنا صفحة فنية وأدبية عربية تاريخية ولكنها دونت في كتاب التاريخ (قسم العظماء) . صفحة عظيمة لم تقدرها بل ولم تقرأها جيدا الحكومات اليمنية التي تعاقبت منذ فجر الاستقلال حتى اليوم .
كتب / احمد بوصالح
- طائرة نقلته الى عالم الشهرة : في منتصف الستينيات من القرن الماضي وبالتحديد عام 1964م هز جوانح شاعرنا الكبير الحنين الى الوطن وجرفته رياح الشوق لقريته وواديها الشهير واهله وخلانه فيها فعزم السفر اليها على متن طائرة داكوتا فبينما كان يهم بطلوع سلم الطائرة صادته عيون فتاة ترقب الطائرة من فناء منزل بسيط يقرب من مطار الاقلاع في مدينة جدة السعودية فهيجت تلك النظرات قريحة بن علي الذي نظم أبيات رائعته الغنائية (في سلم الطائرة) على كرسي الداكوتا وعلى وقع صوتها المزعج وأستهلها ب: في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت على محبين قلبي عندما ودعوني وشفت محبوب قلبي بين نخلة وبيت يناظر الطائرة قصده يحرك شجوني وفور أكتمال بنيانها كنص غنائي سرعان ماقام بإرساله الى الفنان السعودي طلال المداح الذي قام بتلحينها وأدائها لأول مره على احد مسارح مدينة جدة بعد اسبوعين فقط من تاريخ ارسالها ونالت أغنية في سلم الطائرة وشاعرها ومغنيها شهرة واسعة في العالم العربي.
* نهر عذب روى حدائق الشعر:
عن الشاعر يسلم بن علي قال المؤرخ الاستاذ رياض باشراحيل المتخصص بعطاءات كبار المبدعين في شؤون وشجون الفن : الراحل يجمع في شعره بين رقة ألفاظه وقوة مطالعه وجمال صوره الشعرية في إبداعه الذي كان كالنهر العذب الذي روى به حدائق الشعر الغنائي في جزيرة العرب، وقد تميز بإفاضته في شعر الغربة والتعبير عن الحنين إلى الوطن وفي شعر الغزل وهو شعر الحب والعشق والعواطف التي تحكم علاقة الرجل بالمرأة وتعد عاطفة الحب من أسمى العواطف الإنسانية في الحياة. لقد شرب شاعرنا من كأس المحبة أصفى شراب وذاق طعمه ونكهته وخاض بحاره وخلجانه وسهوله ووديانه فعرف خفاياه وأسراره، وفي قصيدته «شروط الحب» أبدع يسلم بن علي في رسم صورة الحب ووصف حال المحب العاشق وذله وخضوعه وما يكابده من نار الشوق وحرقة الصبابة وما يهيمن على نفسه من مشاعر الأسى والبكاء والحزن في أبيات تحس وأنت تقرؤها بنار الشوق تحرق أحشاءه ودمع الأسى يقرح أجفانه. ويبث الشاعر في قصيدته الحكم والأمثال ويستخدم فن الوصف والتشبيه وتبادل المدركات في بناء صوره الشعرية.
* مشوار حافل بالابداع: طيلة مسيرته الفنية قدم الكثير للأغنيتين اليمنية والعربية أذ تغنى بكلماته عدد من الفنانيين الكبار أمثال الراحل طلال مداح وأبوبكر سالم بلفقية والراحل احمد يوسف الزبيدي الذي يعد من أكثر الفنانين الذين جمعتهم اعمال فنيه بيسلم بن علي وكذلك الراحل طلال مداح الذي وصل عدد الاغاني غناها لبن علي أكثر من عشرون أغنية أبرزها : في سلم الطائرة ويقول يسلم ومعاد لي نفس وسمع صوتي ويا عسكري فك الإشارة ومن أبرز ما تغنى به الفنان الكبير ابوبكر سالم ليسلم بن علي أغنية ضعيف النفس و إلى هنا وانتهينا وقوت العاشقين وسرقت النوم و أنا مالي أذا قالوا رفع رأسه إما الفنان الراحل احمد يوسف الزبيدي فقد غنى له نحو أربعين أغنية منها فر يا طير و إشاعة حب وكم رأس مالك ومتى الإقلاع يا طيار وغيرها من الأغاني الرائعة.وتغنى بكلماته أيضا عدد من الفنانين اليمنيين والخليجيين كالفنانة الكويتية رباب والفنانة عتاب والفنان صالح السيد والفنانين سعد جمعة وناصر السعد وعبد الله الجساس وهود العيد روس وعلي الصقير وعلي العطاس وعلي العمودي وعبود خواجة ونائف عوض والخضر سالم وغيرهم وصدر له ديوان شعري واحد فقط حمل عنوان دموع المهاجر في عام 2011 م تكفلت جامعة عدن بطباعته تضمن زهى خمسون نصا غنائيا فقط فيما يحتوي نتاجة الشعري المئات من الاغاني التي تنتظر طباعتها في ديوان شعري آخر وذلك يتطلب وجود جهة مموله كون أسرة الراحل يسلم بن علي لاتمتلك أمكانيات ذلك
* صاغ أشعارة بنبضات القلب: وقال الناقد الفني السعودي الكبير علي فقندش عنه: يعتبر يسلم بن علي أحد الأسماء الكبيرة التي ارتبطت بالأغنية السعودية.. ولأنه شاعر موهوب وله ملكة شعرية تناول أغراضا شعرية صاغها بنبضات قلبه فكتب الأغنية العاطفية والشعبية والوطنية. ولقب بشاعر المائة أغنية.. رغم أن رصيده من الأغنيات يزيد على المائة بكثير. وذلك لثراء إنتاجه المتزايد من الأغنيات.. يقول يسلم بن علي إنه ليس ثريا في المال.. فمازال يقطن في حجرة واحدة عندما يكون في جدة التي يقسم إقامته فيها وفي اليمن طوال العام كما أن رصيده في البنك لا يكون فيه ريال واحد.. بصورة شبه دائمة. من هو؟
* مركز يسلم بن علي الثقافي: في الخامي شهر مايو عام 2013م وفي عهد طيب الذكر محافظ شبوة السابق الشهيد احمد علي باحاج أتخذ المكتب التنفيذي بالمحافظة في أحد دوراته الاعتيادية التي رأسها الاستاذ عبدربه هشله ناصر نائب المحافظ قرارا تاريخيا تمثل بإطلاق أسم شاعر اليمن والخليج يسلم بن علي على المركز الثقافي بمدينة عتق وذلك في خطوة نالت رضاء واستحسان الجميع حيث أعتبره الكثير قرار تاريخي يخلد اسم واحد من فرسان الاغنية العربية الذي تفتخر محافظة شبوة بإنتمائه لها ويعد مركز يسلم بن علي الثقافي صرح ثقافي كبير و أحد المعالم البارزة في حاضرة شبوة وعاصمتها الادارية.
* نتاج يسلم بن علي مسئولية الجميع : يبقى القول أن نجاح الراحل يسلم بن علي وماقدمه للاغنية العربية ككل لم يكن نجاح شخصي له أو لأسرته أو قبيلته أو منطقته بقدر ماهو نجاح لشبوة كلها أولا وللجنوب واليمن قاطبة وبما انه رحمه الله عليه لم ينل ولو واحد في المائة مما يستحقه من الاهتمام وهو حيا يرزق فلا ضير من اتباع عادتنا السيئة في الاهتمام بمبدعينا بعد موتهم وبالتالي نكفر عن خطايانا بحق شاعر كبير وهامة شعرية بارزة ومعلم فني عربي لايخفى عن العيون والعقول والقلوب معا ونبدأ من حيث أنتهت رحلة يسلم بن علي الفنية من خلال العمل على جمع وتوثيق نتاجه الشعري وكل مايتعلق بمسيرته الفنية الناجحة وتوثيقه وإبرازة في صور دواوين وكتب وندوات وفعاليات ثقافية مختلفه ونشر كل تلك الانشطة عبر وسائل الاعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي لنبين للجيل الجديد شخصية فارسنا الكبير الذي صال وجال في عواصم العرب ومسارحها وقاعاتها الثقافية ونشر خصائص ومميزات الابداع عبر حناجر أكبر وأشهر الاصوات العربية .