ذُرِفت الدموع وحق لها أن تذرف ، مات عبدالمجيد ، ونزل علينا الخبر كالصاعقة ، لم نصدق الخبر ، وعدنا نعد الشهور ونستذكرها ، لعل هذا الشهر شهر إبريل ، آه كم تمنيت هذا الشهر الكاذب ، لينقل لنا فيه خبر وفاة عبدالمجيد ، وبعد قليل يخبرونا بأنها كذبة إبريل ، ونذهب إلى الكلية ونقابل حبيبنا وصديقنا وزميلنا صاحب الابتسامة الصادقة عبدالمجيد ، ولكننا عدنا نستذكر الشهور ، وإذا ديسمبر يقول لنا : عظم الله أجركم في عبدالمجيد ، بكت لودر وسمعت نحيبها مودية ، فتثاقلت حركاتها ، وعلا بكاؤها ، وتدثرت الوضيع حزناً على رحيل أستاذها ، بكاه طلابه ، بكاه طلابه وهم يرونه يعالج سكرات الموت أمام عيونهم ، وهو يوصل لهم آخر ما عنده ، وكأنه يقول لهم : سأذهب عن دنياكم ، ولكنني سأترك فيكم ابتسامتي ، وما جادت به ذاكرتي ، وسأعلمكم معنى العطاء إلى آخر رمق ، لتكونوا مكاني ، تحملون شعلة العلم ، خرست الألسن ، وصمت الآذان وماتت الكلمات ، تداخلت علينا لغات العالم . غادر أستاذ اللغة ، غادر وهو يؤدي عمله بتفانٍ وإخلاص ، مات وكانت آخر عهوده بهذه الحياة كليته التي أحبها وعشقها ، ومات بين أحضانها ، يكفيك فخراً أيتها الكلية أن تعانقي أحبابك وتكونين الحضن الدافئ الذي يموتون على دفئه ويرتاحون فيه ، ويودعون هذه الحياة على صدرك الذي أحبهم وأحبوه ، يكفيك يا لودر أن أنجبت عبدالمجيد وأمثاله ، يكفيك أيتها الكلية أن سجلت بين أعضائك اسم عبدالمجيد عيسى ، يكفيك أيتها الجامعة العريقة أن درس عبدالمجيد بين قاعاتك وتخرج فيك ، وسجلت اسمه بين سجلاتك ، يكفيكم أيها الطلاب أن نهلتم من علمه وابتسامته ، يكفينا - نحن - زملاؤه أن نكون أصدقاءه .
عبدالمجيد أيها الراحل عنا ، ولم تلق لنا تحية الوداع ، لقد جئنا نحن لوداعك ، ولكنه وداع محفوف بالصمت ، ودعناك ، وكتمنا بداخلنا حزناً تنوء الجبال بحمله ، والله إن صورتك لم تفارق مخيلتنا ، وابتسامتك ترتسم بين عيوننا ، وداعاً صاحب الابتسامة ، بكل لغات العالم نقول لك وداعاً ، بالعربية وباللغة التي حملتها ، ودرستها ، نقول لك وداعاً ، وداعاً أيها الرجل الطيب ، ونحن شهداء الله في الأرض فلا نثني عليك إلا خيراً ، لا نقول هذا كذباً ، ولكنه واقعاً عشناه معك ، فلا نراك إلا مبتسماً ، مبارك عليك حب الناس لك ، مبارك عليك خاتمتك الحسنة ، وأنت بين طلابك ، إننا لا نرثيك بكلامنا هذا ، ولكننا نرثي أنفسنا أن فقدنا زميلاً وصديقاً وصاحباً بكل هذه الأخلاق التي قلما نجدها هذه الأيام ، وداعاً ابتسامة لودر ، وداعاً ابتسامة كلية التربية لودر ، وداعاً عبدالمجيد عيسى .