عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد فرزدق ابن الهندية إلهام محمد علي محسن
نشر في عدن أون لاين يوم 31 - 03 - 2012

ما من مرة أستذكر فيها حرب 94م ؛ إلا وأرى صورة الشهيد النقيب فرزدق فؤاد قائد أو كما كان يحلو لنا مناداته ب(ابن الهندية ) حاضرة بابتسامتها المشرقة التي لطالما ارتسمت محياه ، لا أعلم كيف ولماذا علي استذكار وجه صديقي الضحوك والأنيق في كل مرة تأتي فيها سيرة الحرب اللعينة أو تطرق أذني مفردة شهيد ؟ فالحرب وقرابينها ارتبطتا في ذاكرتي البعيدة بذاك المحيى الجميل المتشح بشاشة ووسامة وطيبة وحلما وحبا وبراءة .
أسمه الفرزدق ؛ والفرزدق تعني همَّام ، فربما عني به شاعر الهجاء الشهير (الفرزدق ) الذي لا يأتي ذكره إلا قرينا بالشاعر جرير وهجائه المترف بالقذاعة والتهكم ، كنت أحب جرير وشعره لكني وبعيد أول لقاء جمعني بالفرزدق الضابط الإنسان المحب صرت عاشقا ونصيرا للفرزدق وهجائه إن لم أقل مشفقا ومتوجعا عليه .
صديقي الفرزدق مازال يلازمني وجهه ومحياه ، ابتسامته ونظرته ، عشقه للحياة والناس ، روحه الطيبة ، حبه ووفائه وصدقه ،زهوة وفرحه بخاتم حبيبته يزين بنصر يده أليسرى ،شوقه وسعادته بكونه سيتمم نصف دينه قريبا وحالما يعود لأهله وصحبه في العيدروس والقطيع والشارع الطويل والزعفران والخساف وصيره وحقات وحافة حسين وغيرها من الأمكنة وذكرياتها وناسها ، فما أن تُذكر مدينة عدن ( كريتر ) إلا ويقابلها بابتسامته الخجولة الملتاعة لكل شيء في المكان الحبيب والعائلة والخليل والبحر والموج والسمك والجبال والصهاريج والزحام والعطر والشاي والفل.
يا الله ما أقبح فعلكم أيها الحكام ، ألم يقل برغسون بان الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمح لأفراد الشعب المشاركة فيها ؟ لا أدري كيف قُتل صديقي ؟ لا أعلم لماذا يؤرقني موته أكثر من سواه من زملائي وأصدقائي الذين فقدتهم في الحرب ذاتها ؟ لماذا ينتابني شعورا بالذنب والأسى الكبير ؟ ولماذا علي اليوم نكأ جراح أهله وذويه وبعد سنوات نيفت الثمانية عشرة لتلكم المأساة ؟ كيف لكارثة بحجم الحرب المدمرة والمهلكة للوحدة ودولتها وشعبها وجيشها وروحها وصيرورتها يمكن اختزالها بوجه صاحبي ؟
كيف أن ذكرى النكبة تعني للكثير منا خسارة دولة ونظام أو قريب وحبيب أو وظيفة وترقية ومكانة وسلطة أو سيارة أو أرضية تجارية أو شقة وفيله أو مساحة وثروة وووالخ فيما لواحد مثلي ليست إلا حربا ضروسا التهمت ضابطا كان قبيل مقتله في وغى المعركة يمتطى دبابته الروسية قائدا لسريته ومزهوا بكونه يحمي حياض وطنه وشعبه لا مصوبا فوهة مدفعه وداناته تجاه أخوته ورفاقه المحاربين ؟
بالنسبة لي الفرزدق ليس رفيقا وصديقا فحسب ! أنه الإنسان الوحيد الذي وجدت فيه أروع صورة للجنوب ، رأيت في وبساطته وتأدبه وصدقه وضحكته وتأنقه وطيبته وحلمه ؛ مدينة عدن بكل ما تجسده من تعايش ومواطنة ومدنية وانتماء ، في سلوكه وانضباطه واحترامه لواجبه وعمله ولزملائه ومرؤوسيه ناهيك عن عفة ونزاهة يده ونقاء سريرته وذهنه لا متسع فيها لرواسب وأحقاد قبلية أو مناطقية أو طائفيه .
قبل التوحد ببضعة أشهر كان حظي وزملائي الضباط الأربعة أننا توزعنا فور تخرجنا من الاتحاد السوفيتي - جمهورية أوكرانيا حاليا – على خمس مناطق نائية شديدة الحرارة والمعاناة بدءا بصحراء ثمود شرقا مرورا بصحار وسهول شبوه وانتهاء بقفار ورمال وبطون منطقة خرز المتاخمة لباب المندب غربا .
نعم مازلت أتذكر تلك الساعات الكئيبة التي أقلتني فيها شاحنة نقل وحيدا وبعيدا عن زملائي الأربعة الذين كل واحد منهم ذهب للوحدة العسكرية المعين بها دون ممانعة أو تأخر أو وساطة أو سخط وتندر ، لكني وبرغم هذا المآل الحزين كنت محظوظا أن أول وجه صافحته كان وجه صديقي النقيب فرزدق الذي حينها قابلته بصفته أركان كتيبة الدبابات لا قائد سرية مثلما عرفته لاحقا وتحديدا في ظل وجود القائد والأركان .
استقبلني بابتسامة وحفاوة لن أنساها له ما حيت ، لقد أناخت عني عثاء السفر وكربة الفراق والمكان ، كان معي لطيفا وبشوشا وحميما لحد خلتني أعرفه مذ سنوات خلت ، أنه صنف من البشر الذين لا تجد بينك وبينهم أية مسافة أو حواجز أو حدود فاصلة ، فرزدق واحد من هؤلاء القوم الذين ما أن تلتقي بهم لحظة حتى تشعر بألفة وقرابة كأن عمرها دهرا .
كيف لا أذكره دوما ووجه يصافحني صباح ومساء ؟ ابتسامته تلاحقني كظلي ، رحيله يوقظني يؤنبني ، كفاحه وصبره في سبيل ذاته وعائلته وحبيبته التي لم يتبق من زمن وصلها غير أشهر معدودة ، لم يبق من يوم فرحة زفافه سوى وقت قصير ، فبعد عناء وكفاح خاضه لأجل توفير مستلزمات الزوجية ؛ ها هو يقف على مسافة ساعات من إتمام الرحلة الطويلة واللذيذة .
لا أحتمل وجعك يا صديقي ، حاولت مرارا أن لا أحزن ذويك ،لكنك لم تتركن وشأني ، لذا أجدني أكتب قصتك اليوم علها تخفف عني وطأة رحيلك المؤلم ، لا عليك يا صاحبي إذا ما ذكرت أهلك وأحبابك البكاء ، فالدموع راحة وهي مطافئ الحزن الكبير وفق تعبير أمين نخلة ، سأكتب عنك شيئا وليكن رثائي موجعا ومحزنا لكني على أقل سابكيك مثلهم ولن تظل تسكنني حرقة وندامة وحسرة ووجع ينتابني في كل الأوقات ، ألم تقل يا صديقي بأن موطني الكتابة لا الدبابة ؟ ألم تخالجك السعادة حين قرأت أسمي يتسلل لصفحات الجريدة قبل رحيلك ؟
سأكتب عنك إذن ! سأقول لك وداعا كي ترقد بسلام ، أتذكر الآن كيف أنك استقبلتني بابتسامتك المنثورة من ثغرك بسخاء ودون تكلف ؟ وكيف ودعتني بفرحة غامرة نابعة من وتين قلبك حين غادرت المعسكر نهائيا قبل سنة فقط من نبأ فاجعتك ؟ لطالما قلت مازحا : أولاد السوداء – يقصد الدبابة – جميعكم مدعوون في عرسي ! فيرد زميل مشاغب وبصوت جهور قائلا : ابن إلهام يدعونا للغداء ، وأخيرا ابن الهندية سيودع العزوبية .
ختاما ليس لي سوى التذكير بحديث المصطفى محمد بن عبدالله القائل : إنَّ العين لتدمع ، وإنَّ القلب ليحزن ُ، وإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ، ولكن لا نقُول إلا ما يُرضي ربَّنا ) سأقول كذلك وارددها تباعا وإنا على فراقك يا فرزدق لمحزنون ، نم قرير العين يا صديقي واعذرني إذا ما اوقظت حزنك ثانية وبعد سنون ، فبحسب قول بولندي : القلب المملؤة حزنا ، كالكأس الطافحة ، يصعب حمله .
أظن نفسي هكذا فما من لحظة وذكرى إلا وأنت يا صاحبي غصة وحرقة في فؤادي أو أنك دمعة حرة في مقلتي ، فسلام عليك وليسكنك الرب جنانه وليدخلك تحت رحمته ولينزلك منزلة الصديقين والشهداء وليلهم اهلك وذويك الصبر والسلوان وحسبنا الله ونعم الوكيل اللهم أمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.