لست أدري حقيقة ما هو التوصيف المناسب الذي يوسم علاقتنا كجنوبيين بالتحالف العربي في بعض جبهات القتال المشتعلة التي تقترب أو تدخل في نطاق الحدود مع الجمهورية العربية اليمنية، هل هي علاقة قائمة على الشراكة أم التبعية؟، وهل يشوب تعاملهم أحياناً مع المقاومة الجنوبية شيئاً من الخذلان الذي قد يرتقى إلى مصاف اللامبالاة بأرواح قادتنا ورجالنا من وجهة نظر البعض؟. ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات على مضض، المصير المجهول لجثة الشهيد البطل، عمر سعيد الصبيحي، الذي ما زلت أتذكر كلماته الأثيرة عن الوفاء للتحالف وتقديره لما قدمه للجنوب أرضاً وإنساناً، طوال فترة الحرب وما بعدها. الوفاء أيها السادة، الذي دفعه لأن يكون في مقدمة الصفوف التي تقاتل في جبهة ذوباب بدلا من أن يبقى بعيداً في المؤخرة، يراقب المعارك ويوجهه عملياته، ويتابع سير خططها، الوفاء الذي سدد ثمنه مرتين الأولى باستشهاده، والثانية بفقدان جثته بعد مضي أكثر من 24 ساعة على ارتقاء روحه إلى باريها!، وبدلا من أن يكون ردنا العملي على مقتله بتنفيذ خطته العسكرية بحذافيرها، والاحتفاظ على الأقل بالمكاسب التي تحققت في ظل قيادته، صار عزاؤنا الوحيد، أن نلقي على جثمانه الطاهر النظرة الأخيرة... أن نشيعه إلى مثواه الأبدي برفقه نجله وأفراد أسرته، أن نطمئن أنه يرقد بسلام إلى جوارنا، وأن تغمرنا روحه المرفرفة في سمائنا بالأمان، فقط لأننا بالقرب منه. لقد ضحى الصبيحي بروحه من أجلنا، فهل وصل بنا العجز إلى أننا تخلينا عنه وتركناه هناك وحيداً في العراء، وكل ما استطعنا فعله التقاط صورة وتسجيل مرئي لجسده المسجى على الأرض بعد استشهاده!، إلا إذا صحة فرضيت أن خاطفيه هم من سربوا الصورة والمقطع لإدراكهم جيداً القيمة الرمزية التي يمثلها البطل الصبيحي لأبناء الجنوب ككل؟. قد يبدو أكثرنا فاقداً للتوازن وهو يحاول أن يلملم بقايا قواه، يضبط بوصلة تفكيره على أمل استيعاب الصدمة، أصبحنا وأمسينا نطرق كل الأبواب، نبعث برسائل لكل من نعرفه، لعل وعسى أن يسعفنا بخبر العثور على جثة الصبيحي، أن يبشرنا بأن التحالف قام بواجبه بتأمين قوة وغطاء جوي لسحبها من المكان المحاصرة بداخله، ليعيد بعضاً من عافيتنا بنبأ استعادتها من براثن قاتليه. يا إلهي، كم من الخطوب سنظل نحتمل؟، كم من المراثي مازالت تنتظر؟، وعلى معبدها المفتوح تذبح أمالنا، وراياتنا تنكس، كيف لهذا الليل المظلم أن ينجلي ونحن نزف إلى المقابر خيرة فرساننا، أشرف رجالاتنا وأشجعهم، وأنبلهم، وأكثرهم تمسكاً بمبدأ التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، بالأمس اغتيل قائد معركة عدن جعفر سعد، واليوم قضى الصبيحي في جبهة قتال يلفها ألف لغز ويطويها الغموض من كل فج وزاوية، وبين سعد والصبيحي، سفكت دماء العشرات بل المئات من شباب الجنوب المقاوم أو الحالم بشرف الدفاع عن دولته القادمة, فداهمنا الشك بأننا ضحايا حرب استنزاف وتصفية دموية لا تختلف عن تلك التي كان يمارسها نظام صنعاء بحق كبار قياداتنا وكوادرنا منذ بداية الوحدة حتى اليوم، والمصيبة أننا لم نعد نعرف من هو عدونا في هذه الحرب ومن هو الصديق، من معنا ومن علينا، لأن الطعنات باتت تنهش أجسادنا من كل حدب وصوب، بلا عزاء ولا هم يحزنون.