لم يخطر ببال بشر الحالة والوضع المزري الذي يعانيه سكان مديرية بيحان كبرى مديريات محافظة شبوة وأكثرها كثافة بسبب الحصار المطبق الذي يفرضه عليهم أطراف الصراع، ولم أتخيل يوما ان المسافر من بيحان إلى عسيلان سيلزمه المرور بمحافظتي البيضا ومأرب عبر الجبال الوعرة والصحاري المقفرة ليصل الى وجهته الأخيرة ويحط رحاله منهكا في عسيلان بعد رحلة قد تتجاوز اثنا عشر ساعة بدلا من ثلاثين دقيقة عبر الطريق المعبدة التي أحكم طرفي النزاع إغلاقها. لقد تحمل أبناء بيحان عناء ومشقة السفر عبر طرق صحراوية ملتوية وطويلة لشهور عديدة وصبروا على ما سببته من شح وأرتفاع في اسعار المواد الضرورية على أمل ان يتفاهم الطرفين على حل مشكلة الطريق للمدنيين أو ان تضع الحرب أوزارها، ولكن مع مناوشات أواخر ديسمبر الماضي قبل حوالي خمسة عشر يوما وما رافقها من كر وفر بين الطرفين أغلقت بقية المنافذ وتم عزل مديرية بيحان تماما عن شقيقاتها الشبوانيات ولم يبق من منفذ لأهل بيحان الا طريق القنذع المهددة من طيران التحالف نتيجة شراكة استخدامها، وهي طريق جبلية وعرة تربط مديرية بيحان بمحافظة البيضا لا تستطيع الشاحنات عبورها.
لقد خيم الضلام الدامس على مديرية بيحان الا ما يسترقه الاغنياء من أشعة شمس النهار ليضئ لهم وحدهم عتمة الليل وباتت حقول القمح والشعير التي تكثر زراعتها في المديرية على وشك الجفاف بسبب غياب مادة الديزل وأصبح غالبية الناس غير قادرين على شراء المواد الغذائية الضرورية بسبب إرتفاع أسعارها. وفي تلك الظروف الاستثنائية التي يعانيها أهالي بيحان يظل المواطن المغلوب على أمره متسائلا عن الذنب الذي اقترفه لتتم معاقبته بهذه الطريقة وماهي الحكمة من الحصار الذي يتبرى منه طرفي النزاع ويدعي كل طرف ان الآخر هو من يهدد ويمنع المواطنين من استخدام الطريق. الغريب في الأمر حالة الضعف والوهن الذي أصابت عموم الناس والجمود واللا مبالاة عند مشائخ بيحان ووجهائها وشخصياتها الاجتماعية في الداخل والخارج وحالة الإتكالية والانتظار الغريبة عند الجميع وكأنهم في انتظار المسيح عيسى لتخليصهم مما هم فيه.
إما الأغرب من كل هذا هو عندما نفكر في ماهية طرفي الصراع لا نتوقع أن قوات الشرعية هي من تمنع الطريق لأن من في بيحان هم أهلهم وذويهم ولا يعقل أن يحاصر الأبن أبويه فنبريهم مبدئيا، وعندما ننظر للحوثيين وقوات صالح نرى انه من غير المنطق ان يحاصرون بيحان وهم بداخله وليس من الحكمة ان يحاصرون مناطق تحت نفوذهم ويجوعون اهلها وهم بحاجة مناصرتهم فنبريهم ايضا. ولذلك فالحقيقة انه لا يوجد أي مبرر لحصار بيحان الا ان يكون هناك سر مشترك وهو تبادل مصالح وامدادات بين الطرفين لا يراد لمواطن ان يكشفها وربما ان وجدت فلا يعلمها من الفريقين الا الخواص. ولكن مهما تكن الأسباب لا ينبغي لنا ان نتوسل الدول والمنظمات الخيرية لتنجدنا ومن العار على كل من يسكن بيحان ان يستسلم للموت جوعا بسبب حصار ينكره المتهمين، بل من الواجب كسر الحصار من خلال معرفة من يعادي بيحان ويحاصر أهلها ومواجهته بعيدا عن لب الصراع السياسي القائم ولو يستدعي ذلك مناصرة الشيطان.