قبل أكثر من عام ونصف تحررت عدن من عدوان التحالف الإنقلابي. ثم تحررت من العصابات المسلحة والخلايا الإرهابية.. وباتت عدن اليوم أكثر أماناً وذلك مجهود أمني نشكرهُ ولا ننكره.
كنا نعتقد أن عدن بعد تحريرها عسكرياً وأمنياً سوف تدخل عهد جديد من الإستقرار والنظام والقانون والبناء والتنمية وما تصورنا مطلقاً أن عدن ستعيش حالة من الدمار الشامل والموت السريري كمثل ما تعانيه اليوم وهي في قبضة أبناءها.
أكثر من عام ونصف والمعاناة تزداد يوماً بعد يوم وما ذلك إلاَ بغياب (دولة القانون والمؤسسات) أو فسادها.
قالوا عدن " عاصمة مؤقتة " وما نراها إلاَ نكتة قيلت في مأتم. أكثر من عام ونصف وعدن دائخة في دوامة الثالوث المرعب (شركة النفط) و (المصافي) و (إحتكار المتعهدين) فضاعت كهرباء وشُحت مياه وضاع ديزل ومازوت وبترول والناس يعانون ويكابدون والدولة غائبة والرئيس يتوسط ويحايل ويُراضي وما حيلته وقد راحت دولة وانهارت مؤسسات وضاع قانون ونام قضاء. عدن اليوم أهلها بلا رواتب ولا معاشات.. غلاء في الأسعار لم تعهدها من قبل وتعثُر في الخدمات وهبوط قاتل في الصحة والنظافة والتعليم.. وما نراها إلاَ غارقة في البطالة والمخدرات والسلاح ولا من دولة. راحت دولة وانهارت مؤسسات وأنعدم نظام وضاع قانون.. أمن مرتشي وقضاء فاسد ونائم فضاعت حقوق وسالت دماء والفوضى سيد الموقف وما معنا غير وساطة السلطة والتحكيم القبلي وهوى الشيخ ورقبة ثور ورحم الله عدن بنظامها والقانون. عدن اليوم باتت مقسَمة في شوارعها وأحياءها ومناطقها ومرافقها بين المقاوم فلان والمقاوم علاَن والمقاوم زعطان وغيرهم كثير وكل واحد رافع بندقه تستبد بهم المناطقية والفئوية والولاء الحزبي والإنتماء القبلي ولا يعرفون معنى لوطن ولا قيمة لإنسان ولا إحترام لقانون ولا سيادة لدولة حتى كدنا نعود لعام 86. عدن اليوم يحكمها وحوش الفساد من راشين ومرتشين ومتنفذين ومهربين ومنتفعين ومتعهدين ومحتكرين ووكلاء ووسطاء وغيرهم كثير كثير.. أما فساد ذوي القربى فليس كمثله فساد ولا زالت عدن تهرول وتقترب من المجهول المرعب ولا من دولة.
عدن رمز الجنوب وعنوانه التي كان أريجها يملأ الدنيا سلام ونظام وقانون وتعايش وأمن ورخاء يقتلونها عنوة ثلاث مرات: في 86 وفي 90 ونراها اليوم تحتضر وتموت.
قالوا عدن بحاجة (لدولة قانون ومؤسسسات) تحكمها.. فهل نأتي بها من الصومال أو جيبوتي أو ربما جُزُر القمر.