قال لي صاحبي وهو يحاورني: ما ندمت على شيء أشد من ندمي على تلك الدعوات التي أطلقتها من خلال مقالاتي ومقابلاتي الصحفية والتلفزيونية إبان فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل بشأن الانفتاح والحوار والتسامح مع ميليشيات الحوثي الإرهابية. قلت له: ولم كل هذا الندم يا صاحبي، لقد وجدت دعواتك حينها صدى واسعا وترحابا شاملا وعلى وجه الخصوص من قبل التجمع اليمني للإصلاح. قال صاحبي: لست نادما على الدعوة كقيمة من القيم الأخلاقية بل إن ندمي نابع من حماسي الشديد لها واندفاعي الكبير نحوها من أجل جماعة شعارها وبرنامجها وغايتها الموت للآخرين وهو للأسف ما أثبتته الأيام اللاحقة حيث كشفت لي الأيام أن هذه الجماعة لم تخلق للتعايش والسلام والوئام بل خلقت للموت والفناء. قلت لصاحبي: لكني أتذكر أنك كنت ضمن فريق أرسله الإصلاح إلى صعدة للحوار مع زعيم الجماعة، هل ذلك صحيح أم أن ذاكرتي خانتني هذه المرة؟ قال صاحبي: بلى، لقد توجهنا إلى صعدة للقاء زعيم الجماعة وليتني ما ذهبت. قلت: متى كان ذلك بالتحديد ؟ قال صاحبي: في عام 2013 م توجهنا إلى صعدة وقد استقبلونا في مطارها ونقلونا بالسيارات إلى بني معاذ في مديرية ضحيان وظلوا يدورون بنا ساعتين في نفس المكان (للتمويه) حتى وقفنا أمام بيت مكون من دورين أدخلنا إلى الديوان ومكثنا ما يقارب الساعة بانتظار قدوم زعيم الجماعة، لم يكن في تصورنا أنهم يصنعون له تلك الهالة من القداسة، وعندما دخل علينا ألقى التحية من بعيد لكننا أصررنا على مصافحته فصافحنا محرجاً!! قلت : ماذا تعني ب صافحنا محرجا، هل تمزح ؟ قال صاحبي : يا صديقي لقد نفخوا في الرجل حتى أصبح بالونا كبيرا يخشى الانفجار إذا لامسه أحد . أجبت ضاحكا : وهل تحاورتم مع الرجل ؟ قال صاحبي: للأسف فقد فوجئنا بأنفسنا أمام دمية جوفاء لا فكر ولا ثقافة ولا فصاحة ولا ذكاء ولا شيء مما يميز قادة الجماعات والتنظيمات .. مكثنا ساعتين نحدثه وهو لا يزيد على جملة واحدة (لو دفع حميد الأحمر الضرائب التي عليه للدولة لانتهت المشكلة) كأن جماعته ما قامت الا من أجل جباية ضرائب شركات الأحمر. قلت لصاحبي: ألم تخرجوا بنتيجة محددة من هذا اللقاء؟ قال صاحبي: كلا، ظللنا نحدثه حتى حل وقت الصلاة عن أهمية التعايش والسلام والإخاء وبناء الدولة ونبذ الخلاف فيما هو يكرر نفس الجملة عند كل منعطف، فلما استيأس الرسل (أنا وصحبي) قمنا للصلاة فيما ظل هو جالسا هو وفريقه حتى أتممنا صلاتنا وعدنا من جديد، فلما أوشكنا على بدء الجولة الثانية هب واقفا ثم ودعنا بالإشارة وانصرف. قلت: وماذا بعد ؟ قال صاحبي والحسرة بادية على وجهه: لا شيء ، أعادونا بالسيارات إلى المطار وعدنا إلى صنعاء بخفي حنين.