للوهم والحقيقة مصلّون، وأنا منهم، ولكل منهما مسجد وقبلة والمصلي واحد الذي هو أنا.. أما الاختلاف، فهو بالتفاصيل. فيه أقف بخشوع، لا تشاغلني الدنيا، أدرك تكبيرة الإحرام في كلِّ صلاة، وحينما أنهي صلاتي، أدور بجسدي صوب جاري المصلّي، لأسلّم عليه مبتسماً، وأتعرّف إليه، وقفت أصلّي يوماً فاحتكت قدم جاري بقدمي، وأحسست باهتمامه الشديد للاصطفاف، لقد أراد أن يستقيم للقبلة بعد كل ركعة، فصافحته بعد الصلاة، وسألته عن أحواله، وسألته عن فعله، فقال: أريد أن أستقبل القبلة بكل أركاني، وأريد أن أكون جندياً في صف مستقيم، أو كصخرة في جدار متسق، فقلت له: ألم يشاغلك ذلك عن الخشوع؟ فأجاب، بأريحية: نعم، ولكنني أعود لخشوعي بعد أن تلتحم قدمك بقدمي لنكون مدفعاً قذيفته الإيمانية لو أطلقت أصابت الكعبة، فنقوّم اعوجاج أقدامنا لتستقيم، أعجبني قوله، ولكنني أردت أن أصحح خطأه فقلت: هل سألت نفسك لِمَ لم يخلقنا الله مدافع؟ قال: ماذا تقصد؟ قلت له: ألم تر جسدك، هل تعلم به شيئاً مستقيماً؟ فأطرق يفكّر، فقاطعته قائلاً: لم تحمّل نفسك فوق طاقتها؟ ألا تظن أنك تركت الخشوع وهو لبّ الصلاة وانشغلت في الإعداد للصلاة الذي ينتهي بعد أن تشرع فيها؟ فقال سأستفتي شيخي، فقلت له مبتسماً: لا تنس أن تستفتي قلبك! وفي المسجد ذاته، كبّرت بصلاة العشاء وكنت جنب الحائط، فدخل المسجد مصلٍ مستعجل، فأراد أن يدرك الركعة، فانحشر بيني وبين الحائط وغمرتني رائحته، فسلّمت عليه بعد الصلاة، وسألته مبتسماً: هل ضاق بك المسجد لتصلّي في موضع يضيق بقط؟ فضحك وقال: لتكن أريحياً وتوسّع لأخيك المسلم، ولا تحرمنا من أجر الصف الأوّل ! فقلت له: هل ظننت أنك ستؤذي من يصلي بجانبك برائحة دخّانك، قال: ممكن، نعم، نعم، ثم قطّب جبينه متحمساً، ولكنه لن يمنعني عن دخول المسجد، فالصلاة أهم، قلت له: أتعلم أن الأذى هو الحرام الذي يدخلك النار إن فعلته أو الجنة إن منعته؟ قال: كيف؟ قلت ألم تدخل امرأة النار لأنها كانت تؤذي جيرانها؟ ألم تكن تقوم الليل وتصوم النهار؟ أولست بجارك؟ ألم تعلم أن مومساً دخلت الجنة لأنها رفعت أذى العطش عن كلبها؟ قال: سأستفتي شيخي، فقلت: هل أخذت بقوله في الدخان؟ فابتسم وانصرف. كل هذا حصل لي في مسجد أوهامي، أما مسجد حقيقة أيامي، فأنا زعيم المتخلفين عن تكبيرة الإحرام وعن الصلاة، تشغلني الدنيا عن المصافحة فأخرج أطارد مصالحي مستعجلاً، إلا ما ندر، فإن آذاني من بجانبي أتصبّر حتى تنقضي دقائق الصلاة، فلربّما أجر صبري يعوّض تقصيري، كما أنني أهرب من المناصحة فلربّما أتاني الشيطان فخلطت له نصيحة بتوبيخة، إلا ذات مساء، فحين وقفت أصلي المغرب وقف بجانبي رجل كأنه اغتسل ولم يتنشّف، يغمر ماء الوضوء رأسه إلى قدميه، بلل المسجد وبللني، آذتني تسبيحاته وتكبيراته العالية فهو يصدح بها، فقلت في نفسي، هذه المرة سأجبر نفسي على إخباره بقول الله «وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا»، فرفع يديه يدعو بعد الصلاة مباشرة، اللهم إني أعوذ بك من الوسواس والجنون، فانصرفت بعد انتظار، فلم يبق للنصيحة موضع! عبدالله عبداللطيف الإبراهيم BoSlaeh@