تحتفظ الذاكرة الجمعية الشعبية لاهالينا الطيبين في عدنولحج عديد المرويات الشفاهية المنتقلة الينا عن الاجداد والأباء عن واحدة من الوقائع التأريخية المعاصرة والتي شكلت حدثا كان له صداه ووقعه انذاك ، وأقصد هنا --تلك الاجسام البلاستيكية العملاقة التي رأوها بأعينهم تطير محلقة في سماء بلداتهم مابين عدنولحج --- والتي هي في حقيقة أمرها واصلها وفصلها كانت بالونات -- ولكن بحجم اضخم واكبر، والمعروفة أيضا باسم "المناطيد" جمعا ، والمفرد منها هو "منطاد"، ولانها كذلك ، فقد عرفت محليا باسماء دارجة حتى يومنا هذا ، فهي في عدن "زماميط" ومفردها "زماطه" اما في لحج فاسمها "نفافيط" والمفرد منها يسمونه "نفيطه" . وبحسب تلك المرويات التي استدليت بها تؤكد على ان ذلك قد حدث فعلا كحدث عالمي هام ومرتبط بالحرب العالمية الثانية اي في اواخر اربعينات القرن الماضي ، وهي الحرب التي امتد اوارها الى بلادنا وبلدان مجاورة اخرى لنا في القرن الافريقي بحكم وقوع الجميع حينها تحت السيطرة الدول الاستعمارية التي خاضت تلك الحرب وبالتأكيد كانت بريطانيا على رأسها وفي حرب حقيقية وجادة الا ان ما اطلق عليه بحرب المناطيد تحول كعهد الناس مع كل حادث غريب الى مادة للتندر والفكاهة يتم تداولها في نكات قد تبدو بريئة ؛ على غرار "حرب الزماميط"في عدن، ومثيلها "حرب النفافيط"في لحج ، وهذا سائر الى يومنا الراهن كدعابات يرددها البعض بداهة ويتغنى بها البعض الاخر لغاية في نفسه لانها تكون حمالة اوجه عدة، وقابلة للتأويل والأضمار واستخدامها الخفي كأداة فاعلة في التقليل والاستخفاف من الاخر --ايا كان ، بل وللتشهير به ايضا من قبيل الاساءة اليه لتغدو اراد مستخدمها أم لم يرد حربا نفسية واضحة لا غبار عليها وذات رسالة غير بريئة خاصة في أوقات الصراعات والاضطرابات الشخصية منها وغير الشخصية.
وهي كذلك في حالتنا الراهنة ، او ما اصبح يعرف اعلاميا ب " حرب الصورة" خاصة بعد التطورات الهائلة في الاعلام الجديد والبديل وما يتم تداوله يوميا ليس فقط كمعلومات مكتوبة، و لكن ايضا كمعلومات تخبرنا بها الصورة المعروضة بمضامين ورسائل سياسية تتعدى القبول الاعتيادي بها وحالة المباغتة الى احداث الدهشة والادهاش معا بل والاستفزاز المتعمد ومنها ما بينته اخيرا احدى الصورالتي تم تداولها وانزالها على تطبيقات الفيس بوك والواتس أب وغيرها وهي الصورة التي يظهر فيها سفير الحكومة الشرعية في القاهرة مع مجموعة من الشخصيات المعروفة و كما اسماها التعليق المرفق بأنها شخصيات سياسية يمنية ، وأن لقاء السفير بها جاء بناءا على تعليمات رئاسية وفي اطار الجهود المبذولة لتوسيع دائرة المشاركة الوطنية والالتفاف حول مشروع الاقاليم في الدولة الاتحادية .
وسواء صح ذلك التعليق او لم يصح ، وسواء كانت تلك الصورة صحيحة او غير صحيحة الا ان انزالها وتسريبها الى تلك المواقع كانت الغاية منه ان تصل الى الطرف الاخر في الداخل الجنوبي المحرر رسالة ما ، وللعلم أنه حتى اللحظة لم تقع عيني على اي رد اوتعليق ما من اي جهة يوضح ما اذا كانت تلك الصورة صحيحة اولا، وبالتأكيد فهكذا صمت يزيد من حالة التشويش عند متلقي الصورة ويساعد كثيرا في احداث الكثير من اللغط حولها وخاصة من الطرف الاخر المستهدف بالرسالة بردات فعل قد بدأت تبرز هنا وهناك وان كانت لاتتجاوز وصف البعض ممن ظهر في الصورة وخاصة من كان له مسئوليات قيادية قبل العدوان الحوثي العفاشي الاخير في منطقته ، وبأنه كان لها موقف سلبي ومعلن من التطورات الجارية في البلاد والجنوب تحديدا قبل ذلك العدوان واثناءه وبعده وانه الى يومنا هذا لم يتخلى عن ذلك الموقف بل يتهم انه يقف بكل ثقله وراء دعم والتحريض على التخريب والفوضى في المنطقة التي ينتمي لها من المناطق المحررة.
انها حرب الصور وهي هنا لا تختلف قط عن حرب البالونات اذ ان النتيجة واحدة ويراد لها ان تصل الى اصحابها وقد وصلت ، الا انني ارى ان حرب الصور في المثال المطروح امامنا أخطر لان من يظهر فيها هو الرجل الأول في سفارة هي تمثل الحكومة الشرعية ومع اناس بحسب لوقائع الراهنة غير مرغوب بهم من قبل الداخل وتحديدا من قبل لمقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي السلمي والذي من حقهما ان يعترضا على هكذا لقاءات مشبوهة بل وتوجيه النقد والاعتراض عليها و بانة خطورتها على النسيج الاجتماعي وفي هذه المرحلة الراهنة خاصة وان المقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي لا تزال اصابع ابطاله على الزناد وان المعركة بالنسبة لهم لم تنته بعد ، وأن لسان حالهما يصرخ ألما: كيف تخطو على جثة ابن ابيك؟ وكيف تصير المليك على أوجه البهجة المستعارة؟ كيف تنظر في يد من صافحوك.. افلا تبصر الدم في كل كف؟ أن سهما اتاني من الخلف/ سوف يجيئك من ألف خلف فالدم "الان "صار وساما وشارة . هامش الابيات من قصيدة للشاعر* العربي الراحل امل دنقل