لا تخفى على المواطن العربي حالة الجمود والتخلف التي تعيشها الأقطار العربية كافة منذ تولي أهلها شؤون إدارتها. وليس من المبالغة ان اعترفنا بكسر بعض المجتمعات العربية لحالة الجمود بتراجعها خطوات ملحوظة الى الوراء. ولكن وبالرغم من إدراكنا لوضعنا وحالتنا المتردية الا اننا لم نكف عن مطاردة السراب بعد ان ملئت سموات وطننا العربي بأهازيج وشعارات حجبت عنا رؤية الحضارات الأخرى التي نتطلع لمعرفة أدوات تقدمها. هكذا هو حالنا العربي وربما يظل في تراجع مستمر مالم نتحرر من أيماننا القديم الذي يحكم على تقدم الأخرين وتطورهم بمؤامرة كبرى تحاك ضدنا، ويرجع فشلنا المستمر لمستعمر رحل عنا منذ عشرات السنين. ان إصرار الزعماء العرب على مواصلة نظرية المؤامرة على مستوييها الداخلي والخارجي هو المولود الطبيعي الذي تنجبه السلطة المغتصبة في أي مكان، حيث ان معظم من يحكمون الدول العربية ليسوا على وفاق مع غالبية شعوبهم ولم يتولون الحكم بإرادتهم، وكثيرا منهم ربما انتزع السلطة من مغتصب قبله انتزاعا. هذه المتوالية الرياضية تجعل حماية عرش الحكم هي المشروع الدائم والوحيد للحاكم العربي المغتصب الذي تتجلى فيه قدراته الخارقة وابداعاته الرهيبة لتعزيز وتقوية سياج عرش الزعامة. ويلاحظ بجلاء ان هذا النوع من الحكام العرب غالبا ما يحاطون بحاشية ضخمة من المتملقين الذين يجيدون تزيين اقوال الحاكم وأفعاله حتى يقتنع مع مرور الوقت ان لريحته نكهة عطرية مميزة يعدها إنجازا يمن به على شعبه.
في ظروف من هذا القبيل تنعدم حرية الراي ويحرم قول الحق وتروج بضاعة الكذب ويحظى مزوري التاريخ الذين يحولون الهزائم الى انتصارات والفشل الى نجاح، بغية إرضاء سادتهم دون ان يعلمون انهم بذلك يخدعون الأجيال القادمة ويمهدون لهم طرق الهزائم والفشل التي سلكوها ليقعون فيما وقع أسلافهم فيه. ان من أكبر عيوب من يكتبون التاريخ العربي اهتمامهم ومخاطبتهم لصناع هذا التاريخ لكسب ودهم ورضاهم، وتجاهلهم المطلق للأجيال القادمة المعنية بقراءته. وبدلا من ان تستفيد الاجيال من معرفة نقاط ضعف أسلافهم وتفاديها نجدها مغيبة او مغلوطة فتصبح الفائدة المرجوة من قراءة تاريخ الأجداد لعنة متوارثة تجعل الأجيال القادمة يتوارثون الهزائم والفشل جيلا بعد جيل.