المبعوث الأممي يعلق بشأن اتفاق تبادل الأسرى في اليمن    الاتحاد العام لنقابات عمال حضرموت يعلن انضمامه إلى ساحة الاعتصام بالمكلا    شبوة تنصب الواسط في خيمة الجنوب    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    تحذيرات للمزارعين مما سيحدث الليلة وغدا ..!    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    الشيخ أمين البرعي يعزي محافظ الحديدة اللواء عبدالله عطيفي في وفاة عمه احمد عطيفي    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    سوريا.. قوة إسرائيلية تتوغل بريف درعا وتعتقل شابين    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    انتهاكات صهيونية متواصلة لقرار مجلس الأمن 1701 والسيادة اللبنانية    السلطة المحلية بمحافظة لحج تعلن دعمها الكامل لقرارات الرئيس عيدروس الزبيدي واستعادة دولة الجنوب    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    سياسي عماني: خيبة أمل الشرعية من بيان مجلس الأمن.. بيان صحفي لا قرار ملزم ولا نصر سياسي    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    حوادث الطيران وضحاياها في 2025    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    الترب يبارك اتفاق الأسرى ويعتبره مفتاح لبقية القضايا الانسانية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    أعضاء في سياسي أنصار الله: السعودية دمرت اليمن واستنزفت ميزانيتها بلا فائدة    البشارة بولد.. لكنه ولد ميت: مجلس الامن يحبط الشرعية اليمنية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    خطوة إنسانية تخفف المعاناة.. السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين    انعقاد اللقاء الأسبوعي الخامس بين الحكومة والقطاع الخاص    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    الذهب يسجل مستوى قياسيا ويقترب من حاجز 4,500 دولار للأونصة    فقيد الوطن و الساحه الفنية الشاعر سالم أحمد بامطرف    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    نابولي بطلا للسوبر الإيطالي على حساب بولونيا    صلاح ومرموش يقودان منتخب مصر لإحباط مفاجأة زيمبابوي    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    الصحفي والناشط الحقوقي نشوان النظاري    تواصل منافسات بطولة الرماية المفتوحة للسيدات والناشئات    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    فيفا: السعودية معقل كرة القدم الجديد    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن العملاء الخونة
نشر في عدن الغد يوم 03 - 08 - 2017

في الأنظمة الديموقراطيّة قد يُكتشف عميل أو جاسوس، أو شبكة تجسّس تضمّ، في الحدّ الأقصى، عدداً من الأفراد. لكنّ ظاهرة العمالة والخيانة والجاسوسيّة والتراشق بها، أو استعمالها فزّاعةً، لا تنشأ إلاّ في بيئة من اثنتين: في الأنظمة الاستبداديّة والتوتاليتاريّة التي تقول بوجود قضيّة مقدّسة أو قضايا مقدّسة، وفي التنظيمات الحزبيّة السرّيّة التي يقيم عالمها تحت الأرض، وهي الأخرى تشارك الأنظمة المستبدّة القول بقضايا مقدّسة.
الأنظمة الديموقراطيّة في لحظات انحطاطها، كما حصل مثلاً لأميركا المكارثيّة في الخمسينات، تعتنق قضيّة مقدّسة. في الحالة المذكورة كانت مكافحة الشيوعيّة هذه القضيّة. آنذاك استُخدمت فزّاعة الجاسوسيّة للإيقاع بفنّانين وكتّاب وعلماء وسينمائيّين خالفوا تلك القضيّة ولم يُقرّوا لها بالقداسة.
قصارى القول: أعطنا قضيّة مقدّسة وخذ عملاء وخونة. لماذا؟ لأنّ القداسة لا تجيز الاختلاف، ناهيك عن الشكّ. الهرطقة والتجديف يقيمان على مرمى حجر من القداسة. ولأنّنا أرض القضايا المقدّسة الكثيرة فنحن، بالتالي، نفرّخ عملاء كثيرين!
لكنْ على رغم كلّ شيء، لا بأس بأخذ هذه الدعوات بشيء من الجدّ، إذ في وسعها أن تلوّث الحياة السياسيّة والأخلاقيّة بأكثر كثيراً ممّا هي ملوّثة. هذا يُلحّ على أسئلة تُطرح على الذين ما زالوا يستخدمون هذا القاموس:
- يقدّم التراث الشيوعيّ مادّة خصبة. لنفكّر مثلاً بتاريخ الأحزاب الشيوعيّة وبتصفية ستالين لعدد من أخلص الشيوعيّين بوصفهم عملاء وخونة. حتّى في لبنان، وإبّان خلافهم في الستينات، اتّهم شيوعيّون شيوعيّين آخرين بأنّهم عملاء لأميركا. الشيوعيّون أيضاً، وهم من أرباب المراشقة بالعمالة والخيانة، وجدوا، في الثمانينات، من يرشقهم بها فيقتلهم اغتيالاً، كما حصل في بيروت، أو يعدم أمينهم العامّ كما حصل في طهران.
في هذه الغابة من الالتباس الموحل، كيف يمكن أن تُحمَل تهمة كهذه على محمل الجدّ؟
- وهناك المسافة الهائلة بين رسوخ التّهمة وإطلاقيّتها وبين الطبيعة المتحوّلة للقضايا. مثلاً، في الخمسينات والنصف الأوّل من الستينات، كانت قضيّة الوحدة العربيّة أكثر القضايا قداسة لدى قطاعات عريضة جدّاً في العالم العربيّ. مَن كان يعتقد أنّ هذه القضيّة غير قابلة للتحقيق، أو أنّها مُضرّة ببناء وطنيّات عربيّة، كان يُعتبر خائناً وعميلاً. قتلُ «عميل» كهذا آنذاك، بسبب قضيّة ما لبث أن انتهى زمن صلاحها، هو مثل اكتشاف براءة المتَّهم بعد تنفيذ حكم الإعدام به.
- بعيداً من «الهوبرة» السخيفة والديماغوجيّات الرخيصة، نحن مجتمعات متنازعة على المعاني. نحن مختلفون عميقاً في معنى الوطنيّة، في معنى مكافحة إسرائيل، في معنى محاربة الإرهاب، في الموقف من إيران ومن قضايا لا حصر لها. هذه الخلافات، التي تستدعي توافقات وتسويات، تتفجّر اليوم حروباً ونزاعات أهليّة تندرج فيها قطاعات عريضة من السكّان. أمّا تصويرنا بوصفنا مُجمعين على قضيّة مقدّسة إجماعاً لا يشذّ عنه إلاّ حفنة من الخونة والعملاء... فهذا واحد من اثنين: إمّا البله الذي لا ينتبه صاحبه إلى واقعنا الأهليّ المثقل بانقساماته، وإمّا الطائفيّة المقنّعة بحيث تُستخدم تهمة العمالة لتجنّب ذكر جماعات طائفيّة أخرى هي المقصودة فعلاً بالشتيمة.
- نحن، ومع الاحترام لكلّ الانتصارات الكبرى التي حقّقها «حزب الله» وأنهت زمن الهزائم!، لا نزال شعوباً وأمماً مهزومة ومنكوبة وفقيرة. ولا نظنّ أنّ حفنة من العملاء هي التي تسبّبت في تردّينا ذي الأوجه والمستويات الكثيرة. ومَن يكون هذا حاله، بعد تجريبه «الخلاص» القوميّ و «الخلاص» الإشتراكيّ والخلاص «الإسلاميّ»، يخفّف قليلاً درجة الاعتداد بصحّة رأيه. يسمع أكثر. يكون مستعدّاً للتفاعل مع آراء أخرى. يعتمد شيئاً من الشكّ، خصوصاً أنّه جرّب تلك القداسة، وحاكم الآخرين على أساسها، مرّةً بعد مرّة بعد مرّة.
في العموم، يُستحسن الإقلاع عن العادة البليدة والخرقاء، أي الاتّهام بالعمالة والخيانة، بعد كلّ التاريخ الحافل بالوسخ الذي أحاط بها. لكنْ إذا كان من هو مهزوم إلى هذا الحدّ واثقاً من صحّة أفكاره ومن اكتفائها الذاتيّ إلى هذا الحدّ، فكيف إذا صار هذا المهزوم منتصراً؟ مشانقُ على مدّ النظر وفرع للأمن في كلّ غرفة نوم. مهزوم كهذا ينبغي ألاّ ينتصر لأنّ «أعداء الأمّة» لن يستطيعوا إيذاءها كما يؤذيها هو.
أمّا إذا أصرّ «الوطنيّون» على هذه العادة المقرفة لأسباب لا نعرف إلاّ بعضها!، فعند ذاك، وقياساً بوطنيّين كهؤلاء، يسعدنا أن نكون خونة هذا البلد وعملاءه. إنّ الدنس خير من تلك القداسة.
* نقلا عن "الحياة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.