صحيح أن مستشفى ابن خلدون في حوطة لحج يفتقد للكثير من الإمكانيات والخدمات والعناية الصحية ، مؤخرًا تزايدت حدة الإنتقادات بشأنه ولكن لن أتحدث هنا عن السلبيات والقصور لأن الكل يعلمها بل سأتحدث عن كل جميل وإنساني وما أحوجنا للإحتشاد جميعًا خلف هذه المواقف الإنسانية العظيمة عوضًا عن النظر بعين واحدة تقع دومًا على النواقص وتغفل عن الكمال الإنساني والذي يتجسد مثلاً في طبيبة الطوارىء الوحيدة وهي تقف على قدميها تتنقل بين هذا المريض وذلك ، تطمنك بوجه بشوش وابتسامة دافئة أنك ستكون بخير بعدقليل لا بل وتشدُ على يديك برفقٍ وحنان ، وهذا هو دور الطبيب الحقيقي في حين لو تقاعست قليلاً كغيرها الكثير من الأطباء لن يحاسبها أحد . أو في ذلك الممرض الذي يسعفك وأنت تحدّق في عينيه لتقرأ خريطة ممتدة من القلق والخوف وكأنك أحد أفراد أسرته، أو آخر يعمل بجهد واخلاص موعودٌ بتثبيت ما في الوظيفة لم يأتي بعد سنوات طويلة من التطوع بصمت وحب للمهنة . هذه المواقف الإنسانية لا يمكن إن تلتقطها كافةً إلا لو كنت أحد المرضى في قسم الطوارىء لليلة كاملة . أشياء جميلة اكتظتت بها روحي ليلة أمس حين كنتُ هناك ولربما في كل مرة أزور المستشفى أركز كغيري من المواطنين على السلبيات لكن حين تقرر أن تُبصر بعين الإنسانية لا يمكنك أن تغفل عن الجنود المجهولين والذي يذوذون بشجاعة للدفاع عن حمى الإنسان وحسب . لهؤلاء النسوة والرجال أنحني في واقع بلا ضمير في حين تحافظُ فيه الأقلية على أسمى معاني الإنسانية والتي لا تستطيع أمام هذه الصور الرائعة المختزلة في الذاكرة إلا أن تشعر بالفخر والإحترام . مهما كان مجتمعنا قد تردى في نواحي كثيرة إلا أني لا زلتُ أؤمن بأنه لن يسقط مجتمع ما لم يسقط إنسانه بعد ، وبأن بناء الإنسان وحده هو حجر الزواية للنهوض واستحقاق حياة أفضل .