كانت حينها عدن تشهد حرباً مريرة، ضاق فيها الخناق، وأشتد الحصار، ضجت الناس بما يحصل، وفرّ الكثيرون من المدينة. أصبحت معظم الأحياء مهجورة، يسكنها الظلام، وتحتلها المليشيات. وحينما ظنّ الناس أن الخلاص سيطول، وأن النصر تتلاطمه معطيات مجهولة للحرب الدائرة، تقربه حيناً وتبعده أحايين كثيرة، جاء الفرج، الفرج الذي كانت كتيبة "سلمان الحزم" وقائدها قاسم الجوهري، أحد أبطاله، وأبرز صنّاعه.
في عشر رمضان الأولى، حطّت كتيبة سلمان الحزم رحالها في عدن بعدد أفرادها البالغ (561) فرداً مقاتلاً من الجنوبيين العائدين من المملكة العربية السعودية، هناك حيث كان كل أفرادها في خضم حياة بعيدة عن أزيز الرصاص، وهدير المدافع، وبقع الدماء التي امتلأت بها شوارع عدن.
ابتدأ مشوار كتيبة النصر من معركة "رأس عمران" التي كانت باكورة الانتصارات في عدن. ونظراً لموقعها الهام على مدخل عدن من الناحية الغربية، كانت هذه المنطقة محط تمركز قوة حوثية كبيرة، ولم يكن تحريرها بالأمر السهل، ففي معركة تحريرها قدَّمت الكتيبة ستة شهداء، كانوا أولى شهدائها في معركة ستمتد حتى تشمل كل عدن وما حولها، دفعت فيها الكتيبة لاحقاً الكثير من التضحيات.
رأس عمران، خورمكسر، المعلا، التواهي، كريتر، كانت هذه الأحياء الهامة في عدن تخضع للسيطرة الحوثية، وتحريرها كانت حصيلة معارك شاركت فيها الكتيبة بمجهودات صنعت فارقاً كبيراً في تحقيق النصر.
امتد مشوار التحرير الذي شاركت الكتيبة في صناعته، ليشمل محافظاتلحج وأبين، مروراً بقاعدة العند الشهيرة، وفي معارك التحرير كاملة قدمت الكتيبة (64) شهيداً، و (172) جريحاً، منهم (34) جريحاً بإعاقة دائمة.
بعد الحرب بشهور، وكعادة كل حرب، يجني الثمرة آخرون، مصداقاً للقول (يحررها الأبطال، ويجنيها الأنذال)، كان هذا حال الكتيبة، عانت الخذلان والتهميش وحُوربت بشكل متعمد، كغيرها من أبطال وقادة التحرير الفعليين، على يد الدخلاء على انتصار عدن، ممن لم يكن لهم إسهاماً فيه.
ذاكرة الشعب مثقوبة، فمن قاتلوا من أجل عدن، وصنعوا تحريرها، طوتهم الذاكرة، واستبدلتهم ببائعي الشعارات، وحاملي الوهم، وكيف لشعب يخذل رجاله أن ينتصر؟
قيل فيما مضى "لا تقتلوا كباركم، فيقتلكم صغار غيركم"، مضى أبطال التحرير بين قتيل مغدور به، ومعتقل في السجون، ومنهم من فضّل الخروج ليسلم من الغدر الذي نال رفاقه، واعتلى المشهد "قتلة" بدرجة "أبطال"!
إلى الكتيبة قائداً وأفراداً: سلام الله عليكم، الأحياء منكم والشهداء، سلام الله على وطنية تسكن في نفوسكم الحرّة التي آثرت لهيب معارك تحرير الوطن على نعيم الاغتراب، نفوسكم التي تركت رغد العيش خلفها، وتخلّت عن نعيم الهدوء، لتُبحر باتجاه عدن، تشق الأمواج وتُسابق الرياح، لهثاً وسعياً في خوض معركة التحرير، ولا شيء سواها.
إلى أبطال الكتيبة: لا تحزنوا، ولا تبتأسوا، فلم تخذلوا وطنكم، بل نصرتموه، فخذلكم شعبه. ولا تحزنوا فما قدمتموه نعيش في عدن بفضله، وتحيا عدن بفضله، وبفضله أيضاً يخرج من يعتقدونهم "قادة" ليخطبوا في منصاتهم عن معارك "الانتصار" التي لم يكن لهم يدٌ فيها!
لولاكم، لزادت كلفة النصر حينها أضعاف أضعاف، ولولاكم لتأخر النصر إلى أجلٍ غير معروف، ولولاكم لما دخل لصوص الانتصارات عدن، وأنى لهم أن يدخلوها في لهيبها مقاتلين وفاتحين، فقد اعتادوا المجيء بعد النهايات، ليجنوا ثمرة الانتصار بهتاف ثوري بائس، وشعار كاذب.
وإلى قائدها قاسم الجوهري، أقول له (لا تحزن، فالتاريخ لا يكذب، وسيكتب يوماً في صفحاته من قاد وشارك في معارك تحرير عدن، ومن قاد عمليات قتل وسجن قادة تحرير عدن). الرحمة للشهيد صبري الجوهري وكل شهداء الكتيبة، والشفاء لكل لكل جرحاها.