ثلاثُ سنوات عجاف، منذُ أن بدأ التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، يشن غاراته على اليمن في ال 26 من مارس آذار من العام 2015م، تحت مسمى "عاصفة الحزم"، مرَّت على اليمنيين البُسطاء كأنها الدهر. يقابلها ثلاث سنوات سِمان، لم تكن بالنسبة للرئيس هادي، ورئيس حكومته بن دغر، وباقي الفريق اليمني المتواجد بالرياض، المُمثل لما يُسمى ب"الشرعية" في اليمن، سوى بضعة أسابيع، أو لربما أيام معدودات فقط. فالجميع هناك بأفخم فنادق الرياض يقيمون، على الأرائك المُريحة يتكئون، ومن أطايب الطعام وشَهِيِّه يأكلون، وبكبسة الرز واللحم مُتخمون، وبأجود أنواع الزبيب والمُكسَّرات يُحَلُّون، وبِفارِه القُصور والسيارات ينعمون، وبالتدهور الدائم في عملة بلدهم لا يشعرون، لأنهم بالريال السعودي وبالدولار الأمريكي يصرفون، فيما السواد الأعظم من شعبهم، لا يجدون حتى ما يأكلون. لعلَّ المفارقة المدهشة حقاً، هي أنه وبعد كل هذه السنين الثلاث، من المعاناة ومن التضحيات التي قدمها الشعب اليمني، وبعد كل هذا الخراب والدَّمار الذي لحق باليمن، أكان من جهة شركاء الانقلاب، أو من جهة طيران التحالف، تخرج علينا المملكة العربية السعودية، ومعها الرئيس هادي ونائبه علي محسن، وناطق "حكومة المنفى"، ليُصدر الجميع بيانات تهليل وترحيب، بخطاب الراحل علي عبد الله صالح الأخير قبل وفاته، الذي طالب فيه دول التحالف بوقف عدوانها، متعهداً بفتح صفحة جديدة معها، وكأنهم كانوا ينتظرون تلك اللحظة بفارغ الصبر وبلهف شديد. إن تلك الهرولة، وذاك السباق في إصدار بيانات الموافقة والترحيب بدعوة صالح الأخيرة، الذي وصل حد وصفها بالانتفاضة الشعبية، التي وكأن صالح كان قد بدأ يقودها داخل صنعاء لمواجهة شركائه في الانقلاب، وتصويره على أنه البطل المُخَلِّص لليمنيين، قد عكست وبكل وضوح، حجم المأزق الذي تعيشه المملكة العربية السعودية – كقائدة للتحالف - جرَّاء حربها داخل اليمن، فلا هي استطاعت تحقيق أهدافها بالقضاء على الحوثيين، ولا هي استطاعت إنقاذ الشعب اليمني من براثن ميليشياتهم، وبالتالي أصبحت هذه الحرب كابوساً لعيناً يؤرقها، وعبئاً ثقيلاً تريد الخلاص منه، فباتت تبحث لها عن مخارج مُشرِّفة، لا تُظهرها بصورة المهزوم، أمام شعبها وأمام أعدائها. مشكلة المملكة العربية السعودية بتقديري هي، أنها ظلت -ولا تزال- تنظر إلى معركتها داخل اليمن، على أنها معركة بينها وبين إيران، وليست معركة لأجل اليمنيين ولا لسواد عيونهم، ولا كذلك لأجل اليمن كجغرافيا وكتاريخ، وقبل هذا وذاك ك جار من الواجب مساعدته لينهض على قدميه، كي يستطيع بناء بلده بنفسه، ولذلك ظلت متلكئة ومترددة طوال الثلاث سنوات الماضية، في تقديم الدعم الحقيقي والجاد لليمنيين، من أجل إعادة بناء جيش وطني حقيقي وقوي، جيش لليمن وحسب، يمكن الاعتماد عليه، في دحر المليشيات، ومعها تلك العصابات التي كانت مدعومة من صالح، وهذا الأمر كان ممكناً وبكل سهولة، في السنة الأولى من الحرب، أو حتى في السنتين اللاحقتين. لكن الحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تشأ ذلك، فهي لا تريد يمناً قوياً بالأساس، وإنما تريد يمناً تابعاً لها، أضف لذلك أنها تتعرض بالفعل لضغوطات شديدة، من قبل دول عظمى لها مصالح كبيرة مع إيران، وبمقدمتها الولاياتالمتحدة. على المملكة العربية السعودية أن تُدرك اليوم، أن علي عبد الله صالح قد أهداها برحيله، فرصة ثمينة لتحقيق انتصار تاريخي داخل اليمن، يحفظ لها ماء وجهها الذي ضاع خلال الثلاث السنوات الماضية، ويجعل منها رقماً مهماً في معادلة الصراع الدائر بالمنطقة، حيث الدول الكبرى لا تعرف التعامل إلا مع الأقوياء، خصوصاُ وأن اليمنيون قد أصبحوا اليوم أكثر توحداً من أي وقت مضى نحو عدو واحد. عليها أن تكون جادة هذه المرة في تقديم الدعم الكامل لليمنيين، ولجيشهم الوطني الوليد، المسنود بالمقاومة الشعبية، بكل صدق وجدية، لوضع خطة عسكرية متكاملة، لتحرير العاصمة صنعاء أولاً، ومن ثم تحرير مدينة صعدة، واستعادتهما إلى حضن الجمهورية اليمنية، فإذا تحررت هاتين المدينتين، ستتحرر باقي المدن بشكل تلقائي. على المملكة العربية السعودية أن تعيَ تماماً، أن أي حديث عن التسوية السياسية داخل اليمن، في هذه المرحلة الحرجة والمفصلية من تاريخ الصراع مع إيران، لن يعني لليمنيين سوى أنها خذلتهم وتخلت عنهم، بعد أن دمَّرت بلدهم، ولن يعني في المستقبل المنظور سوى شيئاً واحداً، هو أن إيران ستحقق حُلمها الكبير بالوصول إلى قلب مكةوالرياض، شئنا ذلك أم أبينا، فكل شيء صار في عالم اليوم ممكناً، والسنوات القادمة بيننا.