عبدالله بن عامر على مدى 33 عاماً يبتهج صالح وهو يتحدث عن الثعابين التي يرقص عليها في حين يكتشف اليمنييون أن رئيسهم هو الثعبان الوحيد القادر على التلون والتغير والتقدم والتراجع في وقت عصيب ومرحلة تاريخية هامة يمر بها الشعب يتعاطى معها صالح بمناورات سياسية تتصف بالمرواغة وبعقلية لم تدرك بعد أن الصراع قد تجاوز الأحزاب ومراكز القوى والنفوذ ليصبح صالح اليوم يناور بالشعب وقضاياه ويتلاعب بمصيره ولم يعلم أن الثورات لا تحتاج إلى جميع أبناء الشعب للخروج حتى يتحقق لها النجاح فيكفي لإنطلاقتها توافر مسبباتها وعواملها ويكفي لنجاحها وجود فئة آمنت بها وراحت تستنهض همة الشعب للإنخراط فيها وحتى تستكمل مصيرها الحتمي بتحقيق أهدافها وتطلعاتها للتغيير .
لقد أطل علينا صالح مؤخراً بشكل مخيف ومرعب تماماً جعل المنادين بالتغيير يصرون على موقفهم فالرجل بدا متحدياً كل من امتلأت بهم الساحات من أبناء الشعب وفي خطاب متناقض ومواقف سرعان ما تتغير ومناورات تؤكد عبثية الرجل في التعاطي مع أبناء الشعب أكد صالح أنه لا يأبه بكل تلك الأصوات ظاناً بأن سياسة التهديد وخلط الأوراق ستعيد كل المُعتصمين إلى منازلهم فالدرس لم يستوعبه جيداً ويبدو أن ثقة الرجل بنفسه جعلته يتعاطى مع الموقف السياسي المتأزم حالياً وكأنه أشبه ما يكون إلى حرب 94م .
صالح أوهمته الحشود التي سرعان ما عادت من حيث أتت بينما بقي المعتصمون في أماكنهم لا يكلون ولا يملون من الهتاف الهادر الممتلئ بالحماسة والعنفوان الثوري والتوهج الوطني الذي لا يقف أمامه شيء فالمشهد في ساحات التغيير يتسع يوماً بعد أخر بتشكل وعي وطني عمدته دماء الشهداء التي أبى صالح الإلتفات إليها وراح على أشلاءها مغرداً بأكاذيب الحوار وأغاني الديمقراطية وزوامل الشرعية الدستورية المُعمدة بتاريخ طويل من تزوير إرادة الشعب وتضليل عقول الناس .
وبعد أن تابعنا خطابات صالح قرأنا السلام على مبارك وزين العابدين فالأول فهم شعبة بعد ثمانية عشر يوماً من الفعل الثوري والثاني فهم شعبة أيضاً بعد أيام ولم يخطر ببال الاثنين أن يستنفذوا الخزينة العامة في شراء الولاءات وإخراج المسيرات ولم يفكر الإثنين معاً بالإعتماد على الجيش وشق صفوفه بل قرروا جميعاً الخروج بسلام عل شعوبهم تغفر لهم إحتقارها وإهانة كرامتها على مدى عقود فيوماً بعد آخر يبتعد صالح عن أخوية مبارك وبن علي ليقترب أكثر من عميد الزعماء العرب القذافي الذي أتفق مع صالح مؤخراً على حشو خطاباتهم بأصناف المخدرات وإتهامات العمالة والتخوين ووصم المناوئين بتنظيم القاعدة في تناقض واضح كفيل بإسقاط ألف زعيم فكيف بنا نحن المعتصمون ننفذ أجندة صهيونية ونتلقى أوامر من تل أبيب وفي نفس الوقت نتبع تنظيم القاعدة بل ونتعاطى المحرمات .. .
إن الثورة اليمنية في لحظة تاريخية حرجة ومفترق طرق صعب وخيارات تضيق يوماً بعد آخر بعد أن قرر صالح قياداتها بنفسه وبطريقته الخاصة التي عهدناه عليها فالتغيير عند صالح لا يتجاوز لفظ الكلمة ولا يتعدى مفهوم البقاء بأساليب وأشكال مختلفة فقد بدأ مُصمماً على الرحيل عبر الإنتخابات تلك الإنتخابات المشوهة التي أطالت عمر الفساد وعمدت بقاءه وشرعنة تواجده وسارعت بإنتشاره ليصبح الفساد جزءاً من النظام ونهب المال العام سمة أساسية من سماته وتجاوز القانون والعبث بمقدرات الأمة وتعطيل حركتها وشل فعلها الحضاري عناوين مأساوية تصدرت مرحلة عجزت فيها الأمة اليمنية في إثبات وجودها ويوماً بعد آخر تفقد قيمتها الاجتماعية ويزحف الفساد بشكل مُرعب ومخيف على كل المجتمع ليصل إلى تهديد قيمة وتقويض وحدة النسيج الإجتماعي والنيل من الهوية ومحاولة إخفاء ملامحها على حساب أعراف وقيم تخدم البقاء وتعزز حضور السلطة على حساب الإرادة الشعبية المُغيبة ثم إذا كان صندوق الإقتراع فعلاً معبراً عن تطلعات الشعب لما هبت الجماهير إلى الساحات ولما نادت بالتغيير .
ويبدو أن صالح لم يعي دروس التاريخ فالشعوب حين تختلف على بقاء شخص قد تتفق على رحيله لأن الخيارات الأخرى لا يقبلها عقل ولا منطق ولا يروج لها ويعمل من خلالها إلا من فقد قوة الفعل السياسي القائم على الأخلاق والضمير الإنساني وأتجه لخيارات إتباع الهوى والإستسلام لنزعات النفس الخبيثة ودعواتها الشيطانية التي سولت للحاكمين على مدى سنوات أن الشعوب نائمة لعن الله من أيقظها .
ويعود صالح ليتهم المُشترك بالوقوف وراء الإحتجاجات وكأن أحزاب المشترك مخلوقات فضائية قادمة من كوكب آخر وكأن شبابها ليسوا من اليمن أما عن الأغلبية الصامتة من الشعب فهذه تحسب للثورة فصالح حين عرض المال وطبق سياسة الترغيب والترهيب لإخراج المناصرين لم يشارك الكثير في ما يرونها شهادة زور في حين يفضل الآخرون عدم الإنخراط في المسيرات والإعتصامات أما التوق للتغيير فيراود نفوس وقلوب جميع أبناء الشعب .
كم كُنت أتمنى أن تصل مرحلة الفعل الثوري والجماهيري إلى خروج وإحتجاج شعبي واسع لا يحركه حزب ولا قبيلة ولعل القصور الفكري وعدم النضج السياسي والإجتماعي لدى الكثير من أبناء الشعب لم يحقق تلك الأمنية فالثورة ستبدأ عند رحيل صالح حين نصنع نظاماً يتيح لقوى المجتمع المدني والقوى الحداثية طرح رؤاها وتنفيذ خططها في تشكيل الوعي الوطني وإحداث ثورة مجتمعية يحاكي فيها الشعب اليمني تجربته الحضارية في التطلع لمستقبل أفضل وبناء ركائز الدولة الحديثة وقيام مجتمع مدني لا يقبل بأنصاف الثورات ولا يرضى بغيرة قائداً ولا يكون مطية لدهاة الساسة وتجار الحروب والأزمات ولا يصبح في يوم ما مجرد أدوات وجحافل يتقاسمها أمراء النفوذ ولا تنطلي علية أكاذيب الصوملة أو العرقنة .. شعباً يقود ولا يُقاد .
لقد أمعن صالح في سياسة التجهيل ومارس نظامه أبشع جرائم تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق من خلال بث الإشاعات التي عملت على إجهاض كل محاولات التنوير وتنمية الوعي الوطني وهذا ما نلامسه فعلاً من خلال دراسة للأخوة أنصار الرئيس الذين بالتأكيد سيكونون أول من يرفع ويتغنى بالزعيم القادم لماذا ؟ لأنهم حتى اللحظة لم يعوا أن شخص رئيس الجمهورية مجرد موظف لدى الشعب ومحل نقد ومن الممكن محاسبته على أية أخطاء أما أن كانوا فعلاً يدركون حقيقة الواقع ومعطيات العمل السياسي فسنرى حزباً حاكماً لا يعتمد على المال العام بقدر ما يعتمد على كوادره وأنصاره المُستعدة للبقاء فيه والذود عنه حتى بعد سقوط الرئيس .. ..
وبالعودة إلى المشهد الحالي نجد صالح هو من سيحدد اتجاه الثورة بعد أن حاول مراراً خدش سلميتها فبالتأكيد أن المؤيدين للثورة من قبائل ومشائخ وقادة لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهناك من يحاول جرهم إلى مربع العُنف ورغم أن المعطيات الحالية تؤكد حتمية إنتصار الثورة إلا أن تكلفة الفاتورة ما زال غامضاً فلم يكتفي صالح بعشرات الشهداء ويبدو أنه يتجه إلى منحى خطير يظن بأنه سيعده سيرته الأولى وهذا مستحيل فكل الخيارات تؤكد أن نظام صالح سيسقط وتبقى الكيفية التي يسقط بها والفترة الزمنية .
فالجيش لن يصمد طويلاً أمام القبائل وسيعود كل جندي إلى قريته في حين تظل مراكز القوة والنفوذ هي من ستحسم الموقف لا التنظيمات الحزبية الهشة فمناصري الرئيس من حزب المؤتمر سرعان ما ينخرطوا في القوى الجديدة فلا مجال للمقارنة بين المؤتمر والإصلاح الذي سيحتفظ برصيده التنظيمي حتى آخر المعركة ناهيك عن إمكانية عقد التحالفات الجديدة بين مختلف القوى التي ناصرت الثورة مثل الحوثيين والحراكيين وقبائل حاشد وبكيل المؤيدة للثورة في حين يبقى للرئيس صالح بعض ألوية الجيش وبعض القبائل التي سرعان ما تتخلى عنه بعد ان تتساقط كل الأوراق من يده رغم إني أعتقد أن صالح سيظل في مربع المناورة ولن يتجاوزه وذلك لضمان الخروج المُشرف والبقاء مع أسرته في اليمن ومشاركة مستمرة في الحياة السياسية وبلا ملاحقات قضائية .