في العام 1994 دكت مدافع الرئيس صالح مدن الجنوب واحدة تلو الأخرى وفي واقعة لم تتكرر قط في أي بلدان العالم تم نهب بلد بأكمله وعلى رأي القذافي زنجة زنجة . حينما اجتاح الشمال بدبابته ارض الجنوب كان ذلك انتصاراً للمشروع القبلي الجهوي الأسري على مشروع الدولة والحداثة والمدنية ومنذ ذلك اليوم خاض أبناء الجنوب صراعا لاستعادة حق مسلوب وإرادة مكسورة واستشهد منذ العام 2007 المئات من أهالي الجنوب وجرح الآلاف وشردت اسر واعتقل الآلاف ولايزال الكثير منهم أسرى سجون نظام الرئيس صالح.
وحينما خرجت الآلاف إلى ساحات الرفض في شمال اليمن معلنة رفضها للرئيس صالح كان مئات الآلاف في الجنوب قد سبقوهم إلى ذلك الرفض منذ سنوات طويلة ورحب الجنوب بهذه الصحوة الشمالية ولو أنها جأت متأخرة وكان الترحيب الجنوبي على أمل ان ينصف شعب الشمال أشقائه في الجنوب بعد ان تم تجاهلهم من قبل النظام الحاكم وتعشم الجنوب في كل ذلك خيراً.
يصور البعض خروج الشعب في الشمال إلى ساحات الاحتجاج بأنه مايشبه الحسنة التي يقدموها لأهالي الجنوب وتظل تلك الفزاعة التي يرفعونها وجه أهالي الجنوب لاتطالبون بكذا وكذا وإلا قمنا بكذا وكذا مع انه يجب ان يعلموا بان الشمال كان يجب له ان ينهض ويثور قبل ألف عام وليس اليوم .
لايمكن لأي إنسان في الوجود الإنكار ان شعب الجنوب هو الشعب الذي ضحى في سبيل الوحدة وناضل لأجل ذلك كثيراً وقدم دولة وعاصمة وثروة وتنازل عن أشياء كثيرة على أمل ان تكون هنالك وحدة عادلة وهو مالم يحدث أبدا منذ العام 1990 وحتى اليوم.
كانت ولازالت مشكلة الجنوب وأهله هي الاصطدام بالعقلية الشمالية التملكية التي وجدت في الجنوب مغنما وهو ماحدث في الجنوب منذ العام 1994 ومنذ ذلك العام تعرض الجنوب لشتى صنف القمع والإذلال والنهب والإقصاء ومارسها الطرف الآخر بشتى مكوناته وهو أمر لايمكن إنكارها أو تجاهله.
علق الكثير من الجنوبيين آمال عريضة على مرحلة مابعد رحيل الرئيس صالح وظن كثير منهم ان المرحلة التالية ستضمن لهم حق مشاركة سياسية حقيقية لكن هذه المرحلة اليوم نراها أخذه في التبلور في ممارسات اقصائية لاتختلف عما مارسه نظام الرئيس صالح ضد الجنوبيين منذ العام 1994.
ما الذي يعنيه ان ترفض المعارضة اليمنية أي حديث عن حل سياسي للقضية الجنوبية؟وما الذي يعنيه ان يهاجم حميد الأحمر كل من متظاهر جنوبي ويصفه بالعميل لنظام الرئيس صالح ؟وما الذي يعنيه ان نقرأ دعوات صريحة لقتل الجنوبيين يطلقها موقع "إخباري مستقل" عبر التحدث بأسماء وهمية لناشطين في عدن يطالبون من الشرطة بقمع احتجاجات الجنوبيين في عاصمتهم عدن تحت دعاوى أنهم عملاء لنظام الرئيس صالح.
بالأمس وطوال 17 عام قال الرئيس صالح عن الجنوبيين بأنهم شرذمة انفصالية يجب القضاء عليها واليوم تتعالى الأصوات بين صفوف دعاة الثورة الشمالية بإن كل من ينادي بقضية الجنوب هو عميل لنظام الرئيس صالح وكل ذلك لأجل ان يتسنى لهؤلاء كافة تصفية الجنوبيون مرة أخرى وسحلهم بالشوارع تحت دعاوي الارتباط بنظام الرئيس صالح وهو النظام الذي سامهم العذاب لسنوات طويلة.
من يفكر اليوم انه بالإمكان مصادرة الحق الجنوبي تحت دعاوي الثورة الشبابية وان الشمال نهض وثار فهو إنسان واهم ، للجنوب قضية وطن عادلة وسياسية وليست قضية رغيف خبز أو عمود إنارة ،للجنوب قضية وطن مستباح وان أراد الإخوة في الشمال الحديث عن وحدة وطنية فعليهم قبل كل شيء اليوم الجلوس إلى طاولة تفاوض واحدة يمثل الجنوب فيها تمثيلا متساويا مثله مثل الشمال دون تحديد أي سقف للحوار أو المطالب.
على الشمال أيضا ان يتقدم بإعتذار رسمي لشعب الجنوب عن 17 عاما من الاذلال والقتل والتدمير والنهب للجنوب وأرضه ، اعتذار كل قطرة دم جنوبية سالت على ارض الجنوب نادت بحق ضائع وكرامة تم إذلالها ووجع بدأت فصوله يوم السابع من يوليو 1994 ولاتزال حتى اليوم.
ليعلم الجميع سلطة ومعارضة ومستقلون في الشمال اليوم ان الجنوب لم يعد ذاك الشعب الطيب الذي لعبت به عاطفته سنوات طويلة حينما سلم الشمال كل مقدراته وكل مصيره وانتظر على أمل إيجاد وحدة قلوب وهو مالم يكن ، اليوم شعب الجنوب شب عن هذا الطوق والجباه السمراء الفقيرة الجائعة صرخت بأعلى صوتها واجتثت كل شيء .
لن نرضى بعد اليوم ان يصادر أيا كائن من يكون حقنا نحن أبناء الجنوب في اتخاذ قراراتنا المصيرية على تراب هذه الأرض التي نحن منها وهي منا وان أراد الإخوة في الشمال ان يفتحوا صفحة جديدة فيها عليهم الكف أولا عن ممارسة الإلغاء ضد كل ماهو جنوبي وبعدها لن يكون لنا ولهم إلا خيراً.