يقضي الكثير من نشطاء الحركة الوطنية الجنوبية الكثير من أوقاتهم هذه الأيام في حديث طويل عن الحلول الممكنة لما بات يعرف بقضية الجنوب . خلال السنوات الماضية مضت الحركة على طول خط واحد لايحيد أيا من قياداتها عنه رفع المشاركون في كافة الفعاليات الاحتجاجية في عموم مدن الجنوب علم دولة الجنوب السابقة وأكدت كافة البيانات السياسية على التزام قيادات هذه الحركة بالسعي لأجل فصل الجنوب عن الشمال الذي توحد معه قبل 21 عاما.
يرى الجنوبيين ان الوحدة التي تمت بين الشمال والجنوب تحولت بعد أربع سنوات من إبرامها إلى وضع يصفه كثيرون منهم "إحتلال" من قبل الشمال للجنوب بعد ما قالوا انه نهب وتدمير لكل مؤسسات الجنوب واقصاء لأبنائه منذ العام 1994 .
مضى الحال في الجنوب منذ العام 1994 وحتى العام 2007 حينما اندلعت شرارة الاحتجاجات الجنوبية في مدينة عدن التي كانت عاصمة للجنوبيين حتى العام 1990 .
ذات يوم شديد الحرارة في العام 2007 وفي ذكرى هزيمتهم تجمع المئات من العسكريين الجنوبيين وسط ساحة كبيرة شهدت عروض ضخمة للجيش الجنوبي السابق بعدن ووقف قيادي صغير في الجيش السابق هو العميد ناصر النوبة وهتف بعدة كلمات بينها انه لم يتم السكوت بعد اليوم على ماحدث للجنوبيين خلال الأعوام الماضية.
تسببت حركة العسكريين بتفجر احتجاجات واسعة النطاق امتدت شراراتها من عدن إلى مدن جنوبية أخرى ودشنت الحركة الوطنية الجنوبية التي عرفت بالحراك الجنوبي أولى فعاليتها التي قابلتها الحكومة اليمنية بأعمال عنف وقسوة بالغة .
منذ انطلاق أولى فعاليات الاحتجاجات الجنوبية واجهت الحكومة اليمنية حركة الاحتجاجات في الجنوب بقسوة بالغة وأطلق جنود الأمن والجيش اليمني النار بغزارة على عشرات التظاهرات الاحتجاجية وهو ما أسفر عن مقتل المئات .
تسبب العنف الذي واجهت به الحكومة اليمنية الفعاليات الاحتجاجية في الجنوب بازدهار كبير لهذه الفعاليات حيث تواجدت الحركة في غالبية المدن الجنوبية واستمرت بتنظيم فعاليات كثيرة لاتزال تتواصل حتى اليوم.
دفعت أعمال العنف الممارسة من قبل الحكومة اليمنية بحركة الاحتجاجات في الجنوب قدما ولم تفلح أعمال قتل وقمع واعتقال وصلت في السابع من يوليو 2009 إلى اعتقال أكثر من 7500 من أهالي الجنوب من قبل السلطات اليمنية في الحد من تعاظم حركة الاحتجاجات في الجنوب .
يرى الكثير من أهالي الجنوب ان الوحدة مع الشمال وانتصر جيش شمالي قاده الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في العام 1994 أضاع بنود اتفاق سياسي وقع في العام 1990 وكرس سياسية استعلاء واضطهاد مورست ضدهم من قبل قيادات شمالية تمكنت من تكريس أدوات الحكم بيدها.
حتى العام 2010 كانت الحركة الوطنية الجنوبية تمضي في طريق واحدة وهي المطالبة بانفصال تام للجنوب عن الشمال والعودة إلى ماقبل العام 1990 حينما كان الجنوب دولة مستقلة لها جيشها المستقل وعضويتها الكاملة في كافة المنظمات الدولية والامم المتحدة .
ورغم إصرار قيادات الحركة الوطنية على مسألة ما اسماها الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض "فك الارتباط" عن الشمال إلا ان قيادات أخرى دفعت لاحقا بمشاريع سياسية أخرى قالت أنها يمكن ان تكون مقبولة لدى المحيط العربي والعالمي .
خلال شهر مايو من هذا العام أسفر لقاء تشاوري موسع عقد في العاصمة المصرية القاهرة للمئات من نشطاء الحركة الوطنية في الجنوب بينهم قيادات بارزة من قيادات المعارضة الجنوبية في الخارج على الاتفاق على الدعوة إلى انتهاج فيدرالية من اقليمين بين شمال اليمن وجنوبه كحل للقضية الجنوبية .
وصف هذا التحول السياسي بأنه تراجع كبير للكثير من القيادات في الحركة الوطنية وقوبل بمعارضة شديدة من قبل كيانات سياسية جنوبية أخرى جددت تمسكها بحقها في النضال في سبيل ماتصفه إنهاء حالة الاحتلال الشمالية للجنوب والتي تقول هذه الكيانات أنها تمتد منذ العام 1994.
لكن على الطرف الآخر يقف تيار أخر لايقل شائنا ويرى ان الحل الممكن لقضية الجنوب اليوم هو انتهاج نظام فيدرالي كونه يمكن الجنوبيين مع الإمساك بزمام أمور دولتهم وإدارتها بالشكل الجيد توافقا مع الشمال الذي يجب ان يكون شريكا في دولة لاتعاني من المركزية المفرطة التي يرونها السبب الرئيسي في ظهور مشكلة الجنوب ومشاكل أخرى كثيرة .
يقف على رأس القيادات الداعية إلى فيدرالية من اقليمين بين شمال اليمن وجنوبه القيادي البارز في المعارضة الجنوبية في الخارج حيدر ابوبكر العطاس الذي شغل منصب أول رئيس وزراء للحكومة التي شكلت في اليمن بعد العام 1990 .
يوصف "العطاس" بأنه احد القيادات القليلة في الجنوب التي تتمتع بسجل وطني نظيف حيث نأى بنفسه عن الصراعات المسلحة التي شهدها جنوب اليمن خلال الفترة التي تلت استقلاله وظل محافظا على ذلك حتى العام 1994 حينما اضطر الرجل إلى مغادرة الجنوب بعد سقوط عاصمته بيد قوات نظام الرئيس صالح في العام 1994 .
يقود الرجل اليوم بمعية قيادي بارز هو "علي ناصر محمد" التيار المنادي بإنشاء نظام حكم فيدرالي بين شمال اليمن وجنوبه ويرى الرجل بان المشروع الفيدرالي هو الحل الامثل لقضية الجنوب .
تقف في طريق العطاس اليوم الكثير من المعضلات اولها ان الكثير من القيادات السياسية التي قادت حركة الاحتجاجات في الجنوب تجد نفسها قدمت مشاريع سياسية ذات سقف مرتفع لذا فان التراجع عن هذه المشاريع يمكن له ان يفقدها السيطرة على حركة هذه الاحتجاجات وتزعمها .
في حديث أخير للعطاس مع الصحافة العربية قال أن المشروع المقترح يشدد على ضرورة التزام جميع الأطراف اليمنية ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، بمشاركة جميع أبناء المحافظات اليمنية شمالاً وجنوباً، والعمل بجد وإخلاص على جعل الوحدة خياراً جاذباً للجميع، خصوصاً الجنوبيين.
وأضاف الرجل بالقول :" "ينبغي على جميع أبناء اليمن العمل على بناء دولة مدنية حديثة وهو اختبار جدي وحقيقي بدلاً من نظام اللادولة، القائم على الأسرية والقبلية والعسكرية والاستبداد السائد في الشمال، والذي عمل الرئيس علي عبدالله صالح على تكريسه وتعميمه منذ عام 1994 حين اجتاح الجنوب عسكرياً".
منذ العام 1994 التزم العطاس مثله مثل الكثير من القيادات السياسية في الجنوب الصمت لكن ورغم صمت العطاس إلا ان تصريحات متعددة لقيادات بارزة في نظام الرئيس اليمني صالح كانت توضح ان مخاوف نظام صالح تنبع من الخوف من الدبلوماسية التي ينتهجها العطاس وتفتقر لها قيادات جنوبية أخرى.
في حديثه الأخير اتهم المهندس العطاس الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بأنه حوّل دولة الوحدة التي قامت بعد اندماج الجمهورية العربية اليمنية "اليمن الشمالي" وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية "اليمن الجنوبي في 22 مايو 1990، من دولة مدنية ديمقراطية كما نصت على ذلك اتفاقية الوحدة، إلى دولة أسرية وقبلية وعسكرية استبدادية وفاسدة.
وقال العطاس: "إن ممارسات الرئيس صالح منذ حرب صيف عام 1994 تتنافى مع اتفاقية الوحدة بين اليمن الشمالي والجنوبي، بل وأسقطت الوحدة تماماً منذ أعلن انتصاره العسكري على الجنوب في 7-7-1994".
ودعا إلى "منح الوحدة فرصة أخرى بعد رحيل صالح ونظامه ولفترة محددة بعد إعادة صياغتها، بشرط بناء دولة مدنية حديثة في شمال اليمن وجنوبه تلقى استجابة محلية وإقليمية ودولية".
على الجانب الآخر يقف مابات يعرف بتيار التحرير والاستقلال في الجنوب ويقود هذا التيار نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض ويرفض هذا التيار أي حلول غير استقلال الجنوب . في ال21 من مايو 2009 ظهر علي سالم البيض على شاشة عدد من القنوات العربية بعد قرابة 15 عام من الغياب عن الساحة السياسية مجددا الدعوة إلى ما اسماها "فك الارتباط" عن الشمال.
تمكن البيض خلال السنوات التي تلت ظهوره من السيطرة على قطاع واسع من حركة الاحتجاجات في الجنوب وقادها تحت لواء المطالبة بالتحرير والاستقلال. يرى كثيرون في الجنوب اليوم ان كل المشاريع السياسية المطروحة حتى وان اختلفت فيما بينها إلا أنها تلتقي على شيء واحد هو ان الوحدة السلمية التي دشنها الجنوب مع الشمال قد انتهت وان جميع هذه القوى تسعى لإصلاح الخلل.
المؤكد والأكيد ان نجاح مشروع العطاس أو البيض يعني عودة الكثير من القيادات الجنوبية في الخارج إلى المدينة التي كانت عاصمة للجنوبيين وهي عدن وإقامة الدولة اليمنية ذات الإقليمين أو الجنوب المستقل وحينها سيمكن للعطاس والبيض ان يرقصا مرة أخرى في المدينة التي غادراها قبل 17 عاما من اليوم . من فتحي بن لزرق