span style=\"color: #ff0000\"حياة عدن/تقرير عثمان تراث تحتفل اليمن هذه الأيام بالذكرى العشرين لتحقيق وحدتها في ظروف أزمة حقيقية تواجه هذا المنجز الذي يُعد الأبرز والأهم في تاريخ اليمن المعاصر. span style=\"color: #800000\"بدايات الأزمة بدأت أزمة الوحدة اليمنية منذ وقت مبكر عقب تحقيقها في 22 مايو- ايار 1990م. ودخلت العلاقة بين شريكي الوحدة: "المؤتمر الشعبي العام" الذي كان يحكم اليمن الشمالي ويتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح، و"الحزب الاشتراكي اليمني"، بقيادة علي سالم البيض، الذي كان ينفرد بحكم اليمن الجنوبي، في حالات توتر شديد شاب الفترة الانتقالية (1990- 1993) التي تقاسما خلالها الحكومة والبرلمان مناصفة، وتولي البيض منصب الرجل الثاني في الدولة نائباً للرئيس علي عبد الله صالح. span style=\"color: #800000\"أسباب التوتر كان التوتر بين الطرفين قد بدأ عقب الوحدة بفترة قصيرة عندما تبنى الحزب الاشتراكي مواقف معارضة للعديد من السياسات التي اتخذتها دولة الوحدة. وهو ما لم يرضه المؤتمر الشعبي الذي رأى أن الاشتراكي لا يحق له أن يكون مشاركاً في السلطة والظهور في الوقت نفسه بمظهر المعارض. وزادت العلاقة سوءاً بينهما عندما تعرض حينها عدد من قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي إلى اغتيالات واعتداءات ومحاولات اغتيال اتهم الاشتراكي السلطات المختصة بعدم اتخاذ الإجراءات المطلوبة للقبض على مرتكبيها. ولمح بعض أعضائه إلى اتهام المؤتمر الشعبي بالوقوف خلفها. span style=\"color: #800000\"جوهر الأزمة يعود جوهر الأزمة بين الشريكين إلى أن جزءاً مؤثراً من قيادات وأعضاء الحزب الاشتراكي لم يكونوا راضين عن الشكل الذي ظهرت به دولة الوحدة، ورأوا أن اليمن الشمالي فرض نظامه ومؤسساته وبنية تكوينه على مؤسسات الدولة الجديدة، وأن الوحدة بهذا الشكل أشبه بضم وإلحاق دولة اليمن الجنوبي بدولة اليمن الشمالي. يقول الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني في حديث لإذاعة هولندا العالمية إن اليمنيين كان لديهم رغبة حقيقة في التوحد، لكنهم عجزوا عن إيجاد الحامل السياسي للوحدة ممثلاً في الدولة القادرة على حمل المشروع السياسي لها والتعبير عنها. ويرمي نعمان باللوم على الطرف الشمالي. ويقول إن القوى التي استقبلت الوحدة في صنعاء لعبت دوراً سلبياً كبيراً في إعاقة إنتاج الحامل السياسي للوحدة، وقامت بفرض خيار الدولة الشمالية السابقة وإحلالها كبديل، ويعتقد أن هذه هي المشكلة التي تفرعت عنها كل الصراعات والمشكلات. span style=\"color: #800000\"حرب 1994 تفاقمت الخلافات بين شريكي الوحدة لتتحول عقب الانتخابات التشريعية الأولى في 1993م، إلى أزمة حادة قادت إلى الحرب الطاحنة التي اندلعت بين الطرفين في 1994م، والتي أعلن خلالها البيض الانفصال وعودة اليمن الجنوبي، قبل أن تنتهي بانتصار قوات صنعاء واستمرار الوحدة. خلال الحرب وبعدها أصدر الرئيس صالح عفواً عاماً عن جميع الذين شاركوا في الحرب في صفوف الطرف المهزوم. ولكن ذلك لم يكن كافياً لعلاج جروح غائرة أحدثتها الحرب في جسد الوحدة الوليدة. وظهر حينها تيار قوي داخل الحزب الاشتراكي يعبر عن اعتقاده بأن وحدة 22 مايو السلمية تم نقضها بالحرب، وجرى إقامة وحدة قسرية بديلة بقوة السلاح. span style=\"color: #800000\"اتهامات الجنوبيين يقول الجنوبيون المعارضون إن المنتصر في الحرب لم يكتف بانتصاره العسكري، بل حوله إلى استباحة شاملة للجنوب، شملت بسط سلطة الشمال كاملة ونظام حكمه، وتسريح عشرات الآلاف من العسكريين الجنوبيين، وإطلاق يد المتنفذين الموالين للسلطة للاستيلاء على أراضي الجنوب الشاسعة ونهبها واحتكارها، وبيع مؤسسات الدولة الجنوبية، وإقصاء الجنوبيين واستبعادهم من مواقع القرار الحقيقية. ويقر الدكتور أحمد عبيد بن دغر الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي بوجود صعوبات في المحافظات الجنوبية. ويقول إن أبرز المشكلات هنا تنبع من المركزية المفرطة في الحكم. وينادي بتوفر قدر كبير من اللامركزية يؤدي إلى نقل الكثير من الصلاحيات والإمكانيات والاعتمادات إلى المحافظات مما يجعل المواطنين يشعرون بالرضا وبأنهم شركاء في الحياة العامة. span style=\"color: #800000\"نشأة الحراك على خلفية شكاوى الجنوبيين من أثار الحرب ظهرت عدة تنظيمات جنوبية معارضة في الداخل والخارج، كان آخرها وأنشطها حركة المتقاعدين التي قادت منذ العام 2007م حركة احتجاجات واسعة بهدف الضغط على السلطات لإعادة المسرحين والمنقطعين من الخدمة بعد الحرب، وصرف مستحقاتهم. ثم توسعت تلك الحركة التي اشتهرت باسم "الحراك الجنوبي" لتشمل قطاعات واسعة من الجنوبيين وتتحول من حركة مطلبية إلى حركة سياسية نشطة تنادي بالانفصال وعودة دولة اليمن الجنوبي. الحلول الحكومية اتخذت السلطات اليمنية عدة إجراءات وقرارات لتلبية مطالب المتقاعدين والمنقطعين، شملت إعادة نحو 10 آلاف منهم إلى الخدمة؛ وتسوية أوضاع عدد مماثل. وصرفت 52 مليار ريال (260 مليون دولار) لتعويضهم. لكن جزء من قيادات المتقاعدين وأنصار الحراك اعتبروا إن ذلك لا يكفي. وقالوا إن المتقاعدين الذين يجب معالجة أوضاعهم يصل عددهم إلى أكثر من 80 ألف متقاعد. واتهموا السلطة بعدم التعامل بجدية مع مطالبهم وبالعمل على إيجاد حلول جزئية وترقيعية تقوم على الاحتواء والاستقطاب. يرى الباحث والكاتب اليمني أحمد صالح الفقيه أن السلطات اليمنية لم تحل قضايا المتقاعدين، ويقول إن ذلك يعود لاعتقادها أن الاستجابة لتلك المطالب سيؤدي إلى فتح الباب أمام سلسلة أخرى من المطالب الأخرى التي لا تنتهي. وفي حديث لإذاعتنا يضيف الفقية سبباَ آخر، معتبراً أن السلطات اليمنية استفادت من دروس فشل الوحدة المصرية السورية (1958- 1961) التي أسقطها العسكريون، وخشيت من أن يكرر العسكريون الجنوبيين تجربة نقض الوحدة، ولذلك قامت بتسريحهم وتهميشهم، حسبما يقول. span style=\"color: #800000\"الميل للعنف منذ بدايات العام الماضي 2009م شهد الحراك الجنوبي ميلاً واضحاً نحو العنف وسيطرت المظاهر المسلحة على فعالياته. وبدأت مجاميع من عناصره مهاجمة القوات والمنشآت والمرافق الحكومية، وقطع الطرقات، والاعتداء على الشماليين المقيمين في المحافظات الجنوبية، والاستيلاء بالقوة على بعض المركبات، ومواجهة القوات الحكومية بالأسلحة الخفيفة وقذائف "آر بي جي". وأدي ذلك إلى سقوط أكثر من 300 قتيلاً وجريحاً في صفوف المحتجين والقوات الحكومية واعتقال الآلاف من عناصر الحراك لفترات مختلفة. span style=\"color: #800000\"إجراءات السلطة السلطات اليمنية واجهت دعوات الانفصال بالرفض التام والتخوين، وأكدت تمسكها المطلق بالوحدة. ومراراً أكد الرئيس صالح "أن الوحدة خط أحمر". ثم جدد في فبراير- شباط الماضي رفع شعار "الوحدة أو الموت" الذي كان قد رفعه قبيل حرب 1994م. وبالتزامن مع تصدي القوات الحكومية لفعاليات الحراك الجنوبي وما يصاحبها من اعتداءات وأعمال تخريب، تسعى السلطات اليمنية لإيجاد حلول سلمية تضع حداً للاحتجاجات. ودعا الرئيس صالح قوى الحراك الجنوبي للتحاور تحت سقف الوحدة والمؤسسات الدستورية، وجرى تشكيل عدد من اللجان الحكومية لمعالجة قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية وحل ما تبقى من قضايا المتقاعدين، وأعلن الرئيس صالح تشكيل لجان برلمانية للنزول الميداني إلى تلك المحافظات بهدف بحث قضايا المواطنين. لكن نعمان يرى أن كل ما فعلته السلطة يُعد إصلاحات جزئية لا تمس جوهر المشكلة ولا تحلها. إنها حسب رأيه مجرد ترحيل للازمة، بل هي "تواطؤ مع مخرجاتها الخطيرة". span style=\"color: #800000\"خطوات مهمة في إشارة مهمة إلى اتجاه السلطات اليمنية للتعامل بجدية أكثر مع مطالب الجنوبيين، أعلن الرئيس صالح خلال كلمته في قمة سرت العربية المنعقدة في مارس – آذار الماضي عزم السلطات اليمنية على معالجة ما خلفته حرب عام 1994، وهو ما كرره الرئيس بوضوح في الخطاب الذي ألقاه هذا الأسبوع بمناسبة العيد العشرين للجمهورية اليمنية، عندما أكد الحرص على طي صفحة الماضي وإزالة آثار أزمة 1993م وحرب 1994م. وتأكيداً لحسن النوايا أعلن صالح العفو عن جميع المعتقلين على خلفية أنشطة الحراك الجنوبي، وأبدى الاستعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع قوى المعارضة الممثلة في البرلمان، وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني باعتباره شريكاً في تحقيق الوحدة. span style=\"color: #800000\"الصيغة الفيدرالية ومع ذلك فالبعض يرون أن الوقت قد فات على مثل هذه المعالجات. ويقولون أن المشكلة أعمق من أن تحل في ظل الوحدة القائمة بشكلها الحالي. ومن بين هؤلاء من يعتقد أن الدخول في وحدة اندماجية كاملة في 1990 كان خطأ. ويرون أن معالجة الأزمة الحادثة حالياً يقتضي العودة إلى صيغة فيدرالية بين شطريي اليمن. وهذا هو ما يدعو إليه حزب رابطة أبناء اليمن، ويتبناه عدد مقدر من قيادة الحزب الاشتراكي. يقول نعمان "إن الوحدة الاندماجية هي التي قادت إلى المشكلات الحادثة، وكانت تجربة فاشلة مثلما كان التشطير فاشلاً". ويدعو إلى صيغة تحقيق اللامركزية السياسية التي تنتج شراكة وطنية متساوية لكل أبناء اليمن. لكن الفقيه يرى أن الفيدرالية نفسها لن تحل المشكلة،. ويقول: "ربما يقبل الجنوبيون الدخول في فترة انتقالية يجري بعدها استفتاءهم على تقرير المصير". وهذا هو نفسه ما يدعو إليه حيدر العطاس من منفاه في الخارج. ويضيف الفقيه: "الوحدة في خطر حقيقي، وهي لن تستمر لأن الوقت قد فات على معالجة الأخطاء والسلبيات"، وهو لا يستبعد أن يتحول التوتر الشديد في بعض مناطق الجنوب إلى حرب جديدة، تفتح الباب أمام التدخل الدولي وتفضي في نهاية المطاف إلى الانفصال. span style=\"color: #800000\"حلول المعارضة ولتحاشي هذا السيناريو، يدعو اللقاء المشترك السلطة إلى الاعتراف بالقضية الجنوبية، والدخول في حوار مباشر مع قوى الحراك. ويؤكد أن الحل يكمن في حل القضية بأبعادها الحقوقية والسياسية، واستعادة مضامين وحدة 22 مايو السلمية، ووضع الجنوب كطرف في المعادلة السياسية وشريك حقيقي في السلطة والثورة. وفي المقابل، تؤكد سلطات صنعاء والحزب الحاكم رفضها الحوار مع قوى الحراك الجنوبي طالما أنها ظلت تنادي بالانفصال. يقول بن دغر: "الوحدة قضية غير قابلة للمناقشة". ويؤكد "أن الذين يطرحون الانفصال وفك الحوار ليس بالإمكان إطلاقا الحوار معهم". ومثلما ظل الرئيس صالح يكرر بأنه لا خطر على الوحدة اليمنية وأنها باقية ومحروسة بإرادة الشعب وقواته المسلحة، يرى بن دغر أن الوحدة اليمنية رسخت جذورها في المجتمع اليمني وأن غالبية الشعب اليمني في الجنوب والشمال هم وحدويون يؤمنون بالوحدة وضرورة الحفاظ عليها وتعزيزها. span style=\"color: #333399\"*إذاعة هولندا العالمية