لا تنفتح شهية الكاتب عند مهاجمة الحاكم أو من لا يروق له لأسبابٍ خاصة بحتة، وإنما الكاتب صاحب رسالة محورها خدمة المجتمع – خدمة الإنسان واقتراح مخارج المشكلات بعد عرضها وتشخيصها ونقد الظواهر المخالفة للقانون ولطبيعة البشر وبيئتهم، وقد تأتي الظواهر من ممارسات لمتنفذين أو لمواطنين بسطاء من منطلق الحرص والحب للوطن الكبير أو الوطن الصغير، أي المدينة ولا خير في وطن إذا كان عابثًا بمدينتي، ولا خير في الانتماء القومي إذا كان عابثًا بوطني. تحرَّكتُ ليل الخميس الماضي مع مجموعة من الأصدقاء من روَّاد منتدانا في الشيخ عثمان إلى الحي المجاور للمنتدى وهوي حي (عمر المختار) وذلك لمشاركة أخينا محمد صالح السروري (أحد متقاعدي التأمينات) في حفل زواج (مخدرة) ولده "أحمد" وشاهدنا في حي عمر المختار استحداثات كثيرة تجعلك تشكك في سلامة مواقفنا وتوجهاتنا وتطلعاتنا من أجل التغيير الجذري الذي يُعيد لعدن وجهها المشرق ورصيدها المتقدِّم في الحياة المدنية ومنظمات الجتمع المدني في ظل دولة النظام والقانون، حيث نشأ المواطن في هذه المدينة (سيدة موانئ الجزيرة والخليج) وترعرع فيها على حب النظام والقانون. تعارف الناس في مدينة عدن على تأمين حرم المسكن أو تأمين تهويته في فصل الصيف بفتح باب ونوافذ المسكن لدخول التيار، فيتقدم لتلبية هذه الرغبة بطلب إلى البلدية لبناء حوش بطول (ستة أقدام وعُرض ثلاثة أقدام)، وهي كافية لتلبية الرغبة؛ لأنَّ مسألة التوسع في السكن له شروط أخرى، تتأكد البلدية من خلال نزول أحد ضباطها أو موظفيها ما إذا توافرت الشروط أم لا.. ومن ناحية أخرى، قد يتطلب التوسع بناء مسكن متواضع (حي القاهرة مثلاً) أو بمساحات مختلفة (حي المنصورة) أو بمساحات أكبر (حي خورمكسر مثلاً) ولكل حسب قدراته وتتوفر لغرض البناء قروض حكومية أو من الشركات وكانت الإدارة البريطانية تحث المؤسسات الخاصة على إفساح المجال أمام موظفيها للبناء ومن رغب في التأجير، فالأمر كذلك لصاحبه وهناك لجنة حكومية تنظر في قضايا الخلاف بين المالك والمستأجر والسياسة العامة تنطلق من مصلحة المستأجر.
رأينا في حي عمر المختار استحداثات خلال فترة الانفلات الأمني وصدق أو لا تصدق أنك ترى نفسك أمام استحداثات تصلح لأن تكون هناجر أو مستودعات (طول في عرض في ارتفاع) أو أنك أمام قاعات أو مساحات تصلح لأن تكون صالات أفراح (طول في عرض في ارتفاع)، الناس يجدون صعوبة في التعرف، حيث ضاقت المساحات أمام حرمات المنازل والقادم في سيارة تحجب الرؤية عنه والواقف أمام بيته لا يرى بقية الشارع، أنَّه منكر ما أنزل الله به من سلطان فلا يعقل أن يكون ابن مدينة عدن الذي تشبع وتربى على النظام والقانون أن يسمح لنفسه بأن يقدم على هذا العمل وأراهن على ذلك. هناك حاجةً للتوسع أمام مسكن للأسرة "والحال لا يحمل" كما يقال ورب الأسرة مقدور في ذلك إذا كان التوسع في إطار المعقول وهناك توسع ملحوظ للأسر في محافظة عدن، وفي كل أحيائها السكنية أو أحيائها القديمة، ولكنها مقبولة ومعقولة والناس مضطرون إلى التوسع أمام بيوتهم لأنَّ المتنفذين وأزلامهم قد عاثوا في الأرض فسادًا وعلى نطاق واسع، واستهدفوا الأرض والثروة بعد حرب صيف 1994م، وهناك ملف بتفاصيل ابتلاع الأرض والثروة.
إنَّ الضالعين في الاستحداثات المذكورة في حي عمر المختار وهم الآن خارج السلطة سيتسع نطاق الفساد والفرعنة عندهم إذا ما جاءوا إلى السلطة ونسأل الله أن يحبط مساعيهم في الوصول إلى السلطة. حي عمر المختار انتسب للشهيد المجاهد عمر المختار (1858 – 1931م) الذي قاد المقاومة الليبية في وجه الغزاة الإيطاليين نيابة عن إدريس السنوسي الذي نزح إلى مصر وبعد سنوات من الجهاد امتدت أكثر من ست سنوات، وقع في الأسر عام 1931م وأعدمه الإيطاليون. أما الشهيد محمد منير خان، ابن ال (16) ربيعًا الذي سقط شهيدًا يوم الجمعة 18 فبراير 2011م الذي درس القرآن في مسجد الشوكاني بعمر المختار، وكان رحمه الله صاحب أيادٍ بيضاء داخل المسجد، فكان يرفع الأذان ويسهم في إفطار الصائمين ويرعى كبار السن من رواد المسجد، ومنهم شيخ الموسيقيين نديم عوض، الذي بكاه بمرارة وقال لي عندما وارينا جثمانه الطاهر ثرى مقبرة المنصورة كان ولدًا بارًا بي ويخدمني أكثر من أولادي ورأيت نديمًا وهو يبكيه كالطفل.
كلمة أخيرة للشهيد الشاب محمد منير خان : يا محمد جمعتك الشهادة بعمر المختار أما حيك عمر المختار فلا تسأل عنه لأنّ العشوائية والذاتية وعدم الاكتراث بالجيران والمارة والراكبين؛ لأنَّ همهم انحصر في بناء الهنجرات والصالات الكبيرة، أما جيرانهم ففي سقر!! رحم الله محمد منير خان وصحبه الشهداء الذين سالت دماؤهم الزكية التي فتحت الشهية للانفلات العشوائي في كل مكان لاسيما حي عمر المختار.