"عدن" تتعرض منذ ثلاثة أعوام على أيدٍ جنوبية خالصة لعملية تدمير منهج لم يسبق لها في تاريخ عدن مثيل، وإن كان يقف خلف تلك الأيدي جهات أكبر وأكثر. "عدن" التي نريد لها أن تكون عاصمة سياسية واقتصادية للجنوب في مصاف العواصم العالمية، وقد كانت مرشحة لتكون عاصمة سياسية واقتصادية لليمن أجمع، بحكم عدم صلاحية صنعاء لتكون عاصمة من جميع النواحي. "عدن" الآن يتم البسط على مرافق الدولة فيها، ومواقع مؤسسات المجتمع المدني، حيث يتم نهبها وبيعها من قبل أمراء الحرب الجنوبيين، وإقامة منشئات تجارية عليها. "عدن" الآن يتم البسط على الاراضي الفضاء المملوكة للدولة أو المملوكة لرجال الاعمال، بذرائع شتى وأحياناً بدونها، ويقومون بتقسيمها الى نتف من الاراضي تسمى مجازاً قطع أراضي ، وإلى زغاطيط أزقة تسمى مجازاً شوارع ، مستقلين عدم وجود مخططات سكنية معتمدة، وغياب الدولة ودعم من جهات نافذة لهم، مستقلين أيضاً الحاجة الملحة للمواطنين إلى قطع الأراضي وخصوصاً المغتربين العائدين إلى أرض الوطن، مستقلين كذلك تيه الشعب الجنوب في متاهة البحث عن "جزيرة الكنز" وكأن ما بين أيديهم "فحم. "عدن" التي سمعنا يوماً أن عفاش توعد بأن يجعلها قرية وحاول أن ينفذ وعيده، ولكن ما أحدثه فيها من دمار لا يعد شيئا مذكوراً مقارنة بما تتعرض له عدن هذه الأيام من تدمير. "عدن" في ظل هذا الواقع المزري والتدمير المنهج كيف لها أن تكون عاصمة اقتصادية وسياسية سواء لليمن أو للجنوب أو حتى لإقليم عدن كيف ستنفذ فيها البنية التحتية من مياه وكهرباء وطرقات .. ؟. وكيف لها أن تكون عاصمة وأنت لا تجد موقف لسيارتك أمام بيتك البالغ مساحته 100م2 مربع وشارعه عشرة أمتار وقد ينقص قليلاً، أما مواقف عامة فلا حديث عنها؟. "عدن" كيف ستكون عاصمة اقتصادية ومنطقة حرة والمستثمر لا يجد أي قطعة أرض ذات مساحة مناسبة لإنشاء مشرعة ألاستثماري ولا بنية تحتية حضرية؟ وهذا على فرض استباب الأمن لاحقاً وحضور الدولة. "عدن" كيف ستكون عاصمة ونحن لا نجد فيها قطعة أرض لإنشاء مدرسة أو مستشفى أو غيرها من المرافق الخدمية ناهيك عن مواقع الحدائق والمتنفسات ..؟. وكيف سيكون الأمن المدني والسلام الاجتماعي مستقبلاً عندما نشهد عمليات نزاع واسعة النطاق على الاراضي والمساكن المنهوبة؟. "عدن" وما يحدث لها: ما هو في حقيقته إلا اغتيال لها كعاصمة، والجعل منها مدينة عشوائية طاردة للحضارة، طاردة للنمو والازدهار، طاردة للمستقبل، بل وطاردة حتى للمغتربين العائدين من بلاد المهجر قسراً، حتى لا يكونوا عامل نمو وتقدم فيها، فيشردون لبلدان أخرى لاستثمار مدخراتهم. "عدن" يا سادة: تغتال وتذبح من الوريد إلى الوريد، ولا من يحرك ساكناً لأجلها، من جميع الأطراف الملعونة بدون استثناء، هذا إن لم يكونوا متمالئين في ذلك. "عدن" يتحمل مسؤولية اغتيالها الجميع بدون استثناء سواء الجلاد ومن يقف خلفه، وكذلك في المقدمة الساكتين عن الحق "أبناء الجنوب". "عدن" ولأجلها نطلق هذه الصرخة المدوية لعلها توقظ أبناء الجنوب - ولو بعضهم - من سباتهم ليلتفتوا لها، ولعلها تكبح جماح نزقهم العبثي - ولو بعضهم - ليلتفتوا لها، حتى لا نقول يوماً والعياذ بالله: "كانت هنا عدن".