وعدت نفسي قبل حلوله بأيام، بشراء أكثر التي-شيرتات(T-shirt ) حُمرة، وبلبسه في تلك الليلة الموعودة، وبالذهاب إلى أقرب مكتبة، مهتمة بهذا العيد، بما تبيعه من أشياء وهدايا ورموز، تُشع اللون الأحمر بدرجاته المتعددة، دباديب حمراء، ميداليات مُعلقة فيها قُلوب حمراء، وورود حمراء طبيعية ومُصنعة، ومُذكرات وبطاقات وكروت مُعايدة، طُبعت عليها قلوب وشفاه حمراء، وشموع طبيعية وكهربائية، ولا مانع من شراء جاتوه(كيك)، زُين بالكريمة البيضاء والحمراء، كُتب على وجهه Valentine"s day، جميعها تنطق الحُب، بلونه المُقترن به منذ فترة بعيدة. سأوزعها على أهلي وأحبائي، ولتلك التي أحُبها حد الارتباط، ولم أقابلها بعد، وسأستمع منذ ساعات الصباح الباكر لأغاني، تُقدم الحُب بحالته المختلفة والمتدرجة، حتى أخر الليل، وسأجد لنفسي أغنية تناسبني، وسأخرج مع أصدقائي وصديقاتي، لتناول العشاء على شاطئ البحر، محتضن المُحبين، وسأعود إلى منزلي في ساعة متأخرة، وسأخلد إلى الفراش لأسترجع كل تلك اللحظات الجميلة الدافئة، وسأضع رأسي على المخدة، لأعود كما ولدتني أمي، لتهبني حُبها، الذي لا يُشبهه حُب في الكون. إلا أن ذلك المشروع الضخم والمهم تراجع إلى حد ما، سقط بعض أركانه، لم يتحقق كاملًا، بما يُرضي غروري ويُشبع رغبتي، وكانت الفرحة مستحية وناقصة، فاكتفيت بلبس التي-شيرت(T-shirt) الأحمر، الذي اشتريته السنة الماضية، ظهر أقل حُمرة هذه السنة، والسبب ليس غسل أمي له باستمرار، وذهبت للعشاء مع أصدقائي وصديقاتي، عند طرف شاطئ البحر، أسفل الجبل المُطل عليه، وكأننا نقوم بما هو مُخزي ومُحرم، ربما هي الظروف الصعبة والمتدهورة على كافة الأصعدة، التي جعلت من الاحتفال بعيد الحُب أمر صعب، ولسنا نحن المسئولين عنها بشكل رئيسي، أو ربما نفوس المُحبين المحيطين بي، الذين لم يُعودوا يهتمون بالاحتفال بعيد الحُب، أو هو الحُب؟!، هبة السماء الأزلية، صار يُقطر بجرعات، وكأنه غير راضِ عن المُحبين. دار نقاش عفوي مع صديقين، في اليوم التالي ليوم عيد الحُب، توصلنا خلاله، إلى أن الاحتفال بعيد الحُب، سلوك حداثي، في مجتمع مُغلق، واقعه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي مأزوم، لم يشهد أية تغييرات إيجابية، يجعل من الناس يحتفلون به بشكل حقيقي، كأي مناسبة أخرى مُستحقة. ينظر صديق للاحتفال بالحُب، بأنه ثقافة عالمية، تعتمد على الورد والسلام، لنشر الحُب، وممارسة المحبة، وثقافة مجتمعنا تكرس عكس ذلك، بزراعة الشوك والكره والعنف، وهنا شتان، ولذلك تأتي فكرة الاحتفال بعيد الحُب في جو يصعب تقبله، بينما يتأسف المُحبين على الورد الأحمر المُداس في زيارة الحُب السنوية. سألتني صديقة، أليس من حقي أن أحُب نفسي؟! رديت عليها طبعًا، وسألتها لماذا هذا السؤال؟! فردت أن أحدهم قد أفتى لها، بأن الاحتفال بعيد الحُب للمتزوجين فقط، وليس للعُزاب، ولا يليق بهم أن يحتفلوا، وأضافت: أليس من حقي أن أحُب أي شيء في العالم؟!، ولتكن نفسي، فأنا سعيدة بها، وأحُبها، وأريد الاحتفال بها، حتى أجد من يستحق أن أحُبه، وأقترن به مستقبلًا، شريكًا لحياتي، وبالتأكيد وافقتها جدًا فيما ذهبت إليه. يُؤمن صديق آخر، بأن الاحتفال بعيد الحُب يجب إلا يلتفت فيه المُحبين إلى الجانب الذي يُفسر الحُب بالجنس، وإفراغه تمامًا من مفهومه الجنسي، وأن الحُب يتمثل بتعزيز بيع وشراء الورد في الشوارع، واقتنائها كصورة جمالية حضرية، ترتبط بإسعاد الإنسان، لتضفي على المجتمع قيم الجمال، وأن ننظر إلى موضوع الحُب بالتعايش السلمي، على مستوى النوع والجنس البشري، وتصالحه مع الطبيعة وعناصرها، وبذلك يلتزم الحُب بالجمال والطبيعة، ليُقدم بيئة تسودها السلام، بعيدًا عن القُبح والكراهية. تتذمر صديقة مُقربة من الرجال الذين تعرفهم، ويجمعها بهم ود واحترام وتقدير، فهي ترى أن الرجل في مجتمعنا ما زال يخجل، من أن يُهدي المرأة وردة حمراء؟!، وما زال يخجل أكثر، من أن يمشي في الشارع أو في مكان عام، حاملًا وردة حمراء؟!، فالرجل في مجتمعنا، قد تعود على حمل أشياء تثير الرعب وتتكلم العنف؟!، وهنا تواجه الوردة مهمة صعبة، بأن تلعب دور الوسيط بين الرجل والمرأة. وصديقة أخرى تتساءل بيأس كبير، بحجم كيان بيئتها الممانعة للاحتفال بعيد الحُب، حتى أنها ممانعة للحُب ذات نفسه، متى سأتلقى وردة حمراء كهدية في هذا العيد البهي؟!، في كل سنة أقول أن هناك من سيُعبر مشاعري كأنثى في تاريخ 14 فبراير، وسيُقدم لي وردة حمراء، أو سيُسمعني تبريكات قدوم العيد المميز happy Valentine"s day، وليقولها باللغة العربية عيد حُب سعيد، وتمر السنة تلو الأخرى، وأنا أنتظر، ولم تصل الوردة بعد إلى يدي، حتى أنني لم أستلم SMS أو رسالة مكتوبة، وتُنهي بقولها مأأأأأسااااااااااة. مع مرور السنوات، يفقد الحُب درجة من لونه، ويظهر أقل بهاء، وفرحته تضمحل وتتراجع كجزر البحر، ويبدو باهتًا في عيون المُحبين، وباردًا من خلال ممارستهم له، وكأن العالم عامة ومجتمعنا خاصة تنازل عن قيم الحُب شيئًا فشيئًا، وصار لا يعرف غير الكره، يُستنزف رصيد الحُب ومخزونه بداخلنا، ليطل عيد الحُب هذه السنة على المهتمين، أقل سعادة وإقبالًا، ودليل ذلك تراجع اللون الأحمر من الظهور على زجاجات المحلات. بالنسبة لي كان العيد حزينًا جدًا، فقد كان خبر وفاة المغنية والممثلة السمراء ويتني هيوستن، صدمة قوية للكثيرين من محبيها وعشاق فنها، قبل أيام من الاحتفال بعيد الحُب، رحل ذلك الصوت، الذي كان يسافر بالمُحبين من الأرض إلى السماء، عندما تصرخ مرارًا بالغناء I will always love you، في أغنيتها مُرعبة الجمال، التي تحمل ذات الاسم (سأحُبك دائمًا)، جالت العالم تغنيها، وتسلمت الجوائز العديدة عنها، فلطالما استعان الكثير من المُحبين بهذه الأغنية، كهدية مُعبرة عن الحُب لمن يحبون في عيد الحُب، كان عليها أن تعرف ماذا يفعل صوتها بالمُحبين؟!، قبل أن يتقرر لها الرحيل بعيدًا، حاملة معها أمانينا وذكرياتنا الجميلة. في كُوبليه من الأغنية، تودع ويتني حبيبها، وتترجاه بصوت خافت، وبحُزن عميق، عدم البكاء برحيلها.. So, goodbye.. please, don"t cry سنظل نحُب، ونحتفل بعيد الحُب، وعلى الرغم من كل التشويهات، سنستمر بنثر الورود فاقعة الحُمرة، وسيظل الحُب أغنية جميلة، يعزفها المُحبين، وسنظل نردد (سوف أحُبك إلى الأبد)، أغنية جميلة وسرمدية عن الحُب، والارتباط بمن نحُب، ونصرخ بكل حُب، حينما تصرخ ويتني بصوتها الخارق I will always love you، ومن أجل القديس فالنتاين، الذي كان يدعو إلى الحُب والسلام، ومات في سبيل ذلك، على الحُب أن يُحسن الظن بنا، وعلينا أن نتمسك بالحُب قيمة عظيمة، تجعلنا نستمر في الحياة بسلام.