عادة ما تجد في كتابات الصحفي القدير نجيب محمد يابلي إبداعا منصفا ودقيقا يشهد له بالاتزان يميزه عن غيره في بلاط صاحبة الجلالة ,فقد كان شفافا فيما ذهب إليه حتى النهاية في مقاله بعنوان (يا وحيد رشيد أنت فين وفيدل كاسترو فين) ففي الوقت الذي أعطى فيه لكاسترو حقه أتمنى ألا يكون قد ابخس وحيد رشيد أشياءه حتى لا يتعرض للمسألة لأنها تعد بعد اجتياح قوات ما يسمى بالشرعية الدستورية للجنوب بطولات وانجازات لا يسمح قانونا لأحد بتجاهلها أو اختزالها فيما يفتخر بها مرتكبوها حتى أنهم اقروا لها مؤخرا القوانين لكي تبقيها محصنة من تطاول العدالة وإحقاق الحق. المقارنة بين وحيد رشيد وفيدل كاسترو كانت مستقيمة ولم تكن منحازة لأحد الطرفين واحتفظت بالبعد الإنساني والتاريخي والعقائدي للرجلين فأعطى كما عودنا كاتبنا القدير (اليابلي) ما لقيصر لقيصر وما لكسرى لكسرى وهذه فلسفة صحفية تجسد المفهوم المنطقي لمهنة المتاعب التي ليست بالضرورة ان تجد قبولا عند الدخلاء عليها فامتهنوا الانحراف وفقدوا ليس الحرفة وإنما أنفسهم.
نعود للرجلين فيدل كاسترو ووحيد رشيد فالأول قاد ثورة عام 1956 بثمانين رجلا وصلوا على متن قارب إلى الشواطئ الكوبية من المكسيك تعرضوا لهجوم عنيف من جيش باتيستا بعد اكتشاف أمرهم فتمكن 40 منهم فقط من الوصول إلى الجبال وهناك رتب كاسترو صفوف مقاتليه وشن حرب عصابات حتى سقطت هافانا في يده عام 1959 في أعقاب تأييد شعبي وعسكري,ومع انه شيوعي وملحد إلا انه قضى عمره كله يخطب في شعبه ببذلة عسكرية عتيقة ويد نظيفة ,عن العدالة الاجتماعية بمفهومها التحرري من كافة أشكال القهر والاضطهاد والاستئثار وغيرها من القيم والمبادئ الإنسانية التي عرفها المسلمون منذ أكثر من 1400 سنة ولأنه صادق القول والفعل وقف شعبه إلى جانبه ففشلت كل محاولات أمريكا للنيل منه مع أن غرفة نومه على مرمى حجر منها ,أما وحيد رشيد فلم تذكر كتب التاريخ انه قاد ثورة تشليح عدن عام 94 ولم يدعي هو ذلك ولكنه لم ينكر انه احد قيادييها ولهذا كان نصيبه على قدر العطاء والتضحية.
وعلى عكس كاسترو فان وحيد رشيد مسلم وموحد بالله ويؤدي الشعائر الإسلامية واعتقد انه اعتمر وحج وسيكررها إذا تيسر الحال أما المال معين لا ينضب ويقال انه احد قيادي الإصلاح القلائل الذين لم يستطع الرئيس المخلوع أن يستغني عن خدماتهم فعصفت المتغيرات بالكثيرين بينما ظل هو في مكانه منتظرا الجائزة الكبرى حتى حصل عليها أخيرا.
وفي اجتماعه الأخير بنساء عدن حرص المحافظ وحيد رشيد على اتخاذ إجراءات أمنية مشددة تحسبا من أي اختراق يؤثر على نجاح الفعالية إلا انه فجأة ثارت ثائرته وزبد ورعد وقال ما قال حتى أتى على ذكر فيدل كاسترو , والسبب أن الاختراق الذي كان يخشاه قد حدث وجاء عن طريق مقترح أحداهن بإحياء تجربة لجان الدفاع الشعبي (الانفصالي) بدلا من الحديث عن تجربة شيخ الحارة النموذج (الوحدوي) الذي رفع شعار الأمن مقابل الغذاء كبادرة لم يسبقهم إليها احد ,حتى أن أمريكا عندما أعجبتها الفكرة حاولت أن تنسبها لنفسها وتفرضها على قطاع غزة ولكنها فشلت بسبب أن الفلسطينيين رأوا أنها تعطي لأمن إسرائيل أولوية قبل أمنهم.
بقي أن نعرف أن عبارة ( يا وحيد رشيد أنت فين وفيدل كاسترو فين ) قيلت والعهدة على الراوي بالنص قبل 52 عاما من الآن مع تغيير طفيف , حل اسم رشيد بدلا عن سيف وكانت سببا مباشرا في ميلاد أغنية أم كلثوم "أنت فين والحب فين" , حدث ذلك في مناسبة خاصة جمعت عددا من الفنانين بمصر ولان كاسترو وثورته في عيدها الأول كان في تلك الفترة حديث الساعة فان الحوار الجانبي بين عادل أمام ووحيد سيف يدور في هذا الإطار فأثارت بعض المتناقضات حفيظة عادل أمام فقال (يا وحيد سيف أنت فين وفيدل كاسترو فين) التقطت أذن الشاعر عبد الوهاب محمد الذي كان على مقربة منهما هذه العبارة فقال هذه مطلع أغنيتي القادمة يا عادل فسمع العالم كله بعدها الأغنية بصوت أم كلثوم التي أنتجت في العام نفسه الذي احتفل فيه بالذكرى الأولى للثورة الكوبية دون أن يدري احد شيئا عن قصتها والعهدة على الراوي.