حين نزعم أننا شيعنا إلى المقبرة نظاماً سابقاً بكل تركيبته ،ونزعم أن نعش تلك الجنازة كان يحمل كل السلبيات التي جرعتنا شتى أنواع الذل والهوان وامتهنتنا في كرامتنا وفي عيشنا وسامتنا سوء العذاب، إنما نعترف اعترافاً صريحاً بأننا لسنا سوى متأثرين بالجو العام في محيطنا أي لا نمتلك مشروعاً وليس لدينا رؤية تشخيصية على الأقل في حدود العبرة مما مضى للاستفادة فيما سيأتي. الدليل الدامغ على ذلك أننا لم نمتلك قراراً لا قبل 2011 ولا بعد 2011 إلا ذلك القرار الذي ساقنا إلى الساحات لأن كل ما هو ناتج عن الثورة اليوم هو سباق الماضي نحو تطبيق بنود قرار خارجي – المبادرة الخليجية هذا القرار كفيل بإقصاء الشعب واحتواء الثورة وإعادة اليمن الى المربع الأول وإن تغيرت بعض صور المشهد السياسي كنتيجة سحرية للثورة. حينما تنشر صحيفة يمنية قائمة أسماء بالجملة لشخصيات وتكتلات وأحزاب تتقاضى أموالاً من المملكة العربية السعودية في مشهد جماعي بشع ليس له سابق في التاريخ تقريباً ،فإننا بتنا اليوم بحاجة ماسة إلى استمرار الثورة أكثر من أي وقت مضى ، لأننا أمام خيانة أخلاقية للشعب اليمني ،وأبشع من ذالك نحن أمام محاولة تطبيع لمثل هذه الخيانة خصوصاً أننا سمعنا البعض يفخر بمثل هكذا ارتهان ومذلة. يحضرني تساؤل يكاد يفقدني صوابي هو: أيهما يمثل بوصلة القرار الحكومي في اليمن ، الشعب اليمني أم سلطة المملكة العربية السعودية ؟؟؟ إن الجواب بالتأكيد سيكون على حساب الشعب اليمني لأنه الأضعف في هذه المعادلة لاسيما في ذهن اليد التي تمسك بالبوصلة. لقد قال "هوشي منه" مؤسس فيتنام الشمالية ( إذا أردت أن تفسد ثورة فأغرقها بالمال ) كم أتمنى لو كان "هوشي منه" حياً يرزق إلى يومنا هذا على الأقل لكي يلخص لنا عبارة توضح أن المال السعودي أفسد السلطة والمعارضة والثورة والقبيلة (المشايخ) وكذلك العمل الحزبي ولم يقف عند هذا الحد فقط بل أمتد إلى داخل معسكرات الجيش اليمني ليعانق الجنرالات الثورية ، كنا سنكافئ "هوشي منه" ببراءة اختراع على غرار تلك البراءة التي كافأ بها الشيخ عبد المجيد الزنداني شباب الساحة كثمن لثورتهم. نحن بحاجة إلا استمرار الثورة بكل ما تحويه من معاني وعمل ينبغي أن نراجع حساباتنا وأن ننظر في أيديولوجياتنا ، وأن لا نكرر نفس الأخطاء (حتى ولو انسحبت من الساحة بعض المكونات المحسوبة على الثورة بقوة الصميل والمحسوبة على السلطة بالرغبة والاختيار) إن ذلك هو أول مؤشر في أن نستمر في الثورة وفق منهج ثوري متوقد نسعى من خلاله إلى استعادة السيادة اليمنية الكاملة لاسيما سيادة القرار، لا ينبغي أن نكتفي بالتعويل على الأحزاب والساسة والشخصيات القبلية (المشايخ) حتى ولو كنا أحد المحسوبين عليها لأننا سنكون أشبه بمن يأتمن القط على حصته من اللحم. كيف سيحقق لنا كرامة ويسترد لنا سيادة من يقتات من فتات الآخرين بشكل بشع؟؟؟ لن يحصد اليمن واليمنيون في ضل هؤلاء إلا الخيبة ومزيداً من الارتهان والذلة والمسكنة لأن هناك مثل مشهور يقول (من أعطاني مالاً كنت له عبداً) مع بعض التحريف كقياس في محله..