يدّعون حبهم لمدينة عدن ، والحب منهم براء .. يتقاطرون من كل فج عميق إلى حاضرتها .. يغتسلون ببحرها .. يتنسمون هواءها .. يفترشون أرضها ، ويلتحفون سماءها.. يتفيؤون ظلالها ويزلقون جمالها بأبصارهم ؛ فتغشّاها الظلام وأسدل أستاره على مدنيتها وعلى جمالها. فأضحت مدينة المدن في الجزيرة العربية ، التي يربو عمرها عن ثلاثة ألف سنة ، تسكنها خفافيش الليل وبلاطجة النهار ، يعيثون في الأرض فساداً ويمارسون طقوسهم الخاصة التي شرّعوها لأنفسهم ، رغماً عن أهل المدينة وسكانها المسالمين ، والعيون التي يفترض أن تكون ساهرة على أمن المدينة وأهلها.
يحرقون ويدمرون .. يكسرون ويحفرون .. يبنون ويعمرون ، حيثما يشاؤون ، بعشوائية مقيتة .. لا يهم .. فهي عدن .. فيد الغزاة .. سبية من سبايا الحرب الغشوم ..ولا فرق بين أولئك الأولين .. وهؤلاء المقلِّدين .. القادمين من جنوب الجنوب .. فالكل يحمل المعاول .. والكل ضد عدن مقاتل .. والكل في عدن مخاتل .. والكل يدَّعي من أجل عدن يناضل .. وأي نضال ؟ .
رأيناه بأم أعيننا .. السطو على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة.. قطع الطرقات .. تخريب متعمد لمعالمها التاريخية .. السطو على البنوك ومراكز البريد لنهب رواتب وإعانات الفقراء التي لا تفي حاجتهم الماسة إلى الكساء والغذاء والماء والكهرباء . نضال وأيّما نضال ! حمْل السلاح نهاراً جهاراً ، وإطلاق الرصاص ليلاً يقض مضاجع الآمنين .. وأمام الكل وعلى عينك يا محافظ ويا حافظ الأمن والنظام .
وعلى عين الجميع أُحرقت البطات في خور مكسر .. وكانت تقف بثبات وشموخ عقوداً ، تقذف برذاذ مائها على وجوه المارة ، فتلطف عنهم لفْح شمس عدن .. ولم يمسسها احد. ماذا عملت تلك البطات حتى يتم إعدامها حرقاً ؟ ما الضرر الذي ألحقته بالفاعل المعتدي الآثم الجبان ؟ ما الفائدة التي جناها بعد فعلته الشنعاء تلك ؟ هل يشعر الآن بتحسن حالته النفسية ؟ وهل ينام مرتاح الضمير وهو يرى ما كسبت يداه التي ستشهد عليه يوم القيامة ؟ هل آلمه المنظر الجمالي في أحد أركان المدينة التي تأمنهم وأهله من خوف وتشبعهم من جوع ففعل ما فعل؟
كم انتم قساة القلوب يا أولئك ويا هؤلاء .. كم جنيتم على عدن الصابرة ، المسالمة ، المتسامحة ، الآمنة ، الحاضنة ، الرؤوفة والأرومة ! كفوا أيديكم عنها واتركوها ، وارحلوا عنها إن كنتم لا تحسنون التعامل مع نواميسها .. اتركوها إن كنتم تضيقون بالحياة المدنية، وارحلوا إلى جبالكم ومراعيكم.. وليخسأ المتآمرون على عدن .