رغم كل التفسيرات للممارسات الخاطئة التي اضطرت كثير من الجنوبيين لطلب الانفصال عن الوحدة التي أعلنت في سنة 1990م هذه التفسيرات التي ترى إن الأخوة في الشمال هم الانفصاليون بممارساتهم تلك إلا إن الحاجة تظل ملحة لنوع آخر من التوصيف والذي يغيب ربما عن أذهان كثير من المتابعين إلا وهو تشبث الأخوة الشماليين كلهم بما يسمى بالوحدة الأمر الذي يصل إلى حد الهوس حيث يمكن أن نطلق عليه هوس الوحدة .
فلا تكاد تجد فرد من أفراد المحافظات الشمالية كبيرا أو صغيرا , ذكرا أو أنثى , متعلما أو جاهلا , عاقلا أو مجنونا , غنيا أو فقيرا , لايكترث بقضية الوحدة بل أنها تحتل مساحة كبيرة من تفكيره بل جزء من حياته بل يصل الأمر أيضا إلى اجتماع المتناقضات في هذا القاسم المشترك الذي يعد المساس به مساسا بالحياة حتى تناهى إلى أسماعنا شعار ( الوحدة أو الموت ) .
هذا الهيام الجنوني إن جاز لنا التعبير أن نطلق عليه كما في لغة الحب والغرام هو من طرف واحد مع انه في هذه الحالة بمنطق أخواننا يستحيل إلى خيانة . ونحن هنا لا نبرئ ساحة أخواننا الجنوبيين فمنهم من لديه قناعات وحدوية إلا إن هذه القناعات وان وجدت لا تخلو من تحفظات ما على مسار هذه الوحدة .
لقد كثر الكلام عن الوحدة وكانت وما زالت مثار جدال بين كثير من الأخوة في الجنوب قبل الشمال لكن المهم في الأمر إن الأخوة الشماليين ينصبون أنفسهم أوصياء على هذه الوحدة فتجد اللجان تلو اللجان منها ما هو للدفاع عن الوحدة ومنها لتعزيز الوحدة وأخرى لمراقبة من ينتقد مسار الوحدة , التي تتمترس خلف شعارات الانتماء والولاء الوطني والديني متخذة من الإعلام الذي تم توظيف مساحة كبيرة منه وسيلة لتسويق أفكارها ناهيك عن مهام أمنية وفكرية واجتماعية ميدانية أخرى تتعلق بهذا الجانب التي كلفت المليارات والتي هي من الجنوب , هذه الأعمال كلها موجهه للجنوب , وهم محقون في ذلك لا لشئ وإنما لعدم وجود انفصالي شمالي .
وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال نطرحه مع انه لا يفارق أذهان وألسنة الأخوة الشماليين وهو : إذا كان الجنوبيون لا يعجبهم حال وواقع وشكل هذه الوحدة فأي شكل من أشكال الوحدة يريدون ؟ والإجابة عن هذا السؤال ربما تكون بسؤال آخر مشابه ألا وهو : ماهو شكل الوحدة الذي لا يعجب الأخوة الشماليين ؟ هكذا تقودنا النتائج إلى إدراك حقيقة فهم الأخوة في الشمال لمفهوم الوحدة حيث إنني إلى حين كتابة هذه الأسطر لم أجد فرد واحد شمالي انفصالي يصيح بملئ فيه قائلا :( اذهبوا أيها الجنوبيون لا نريد وحدة معكم ) . بل إنني لن أجده . على الرغم مما سمعناه هذه الأيام عن وجود حركة انفصال شمالية , وان صح ذلك فهي طبخة جديدة غير ناضجة من إنتاج المطبخ المعروف , ولكنني لن أجده .. لن أجده .