مصدوماً اتصل بي والدي ليخبرني عن سقوط آخر المنصفين الشماليين لقضيتنا الجنوبية في مستنقع الظلم .. إنه عبدالباري طاهر الكاتب والمفكر اليمني الذي لطالما فاخرنا به كشخصية يمنية (شمالية) مرموقة يدافع عن الجنوب وقضيته.. تفاجأت كثيراً حين قرأت مقاله الذي لم آسف عليه بقدر أسفي على الأيام التي كنت أمجد فيها إنصافه ووقوفه في صف الحق والحقائق الواقعية والسياسية والتاريخية ..
حقاً صدمت كونه أكثر الأشخاص الذين وجدت فيهم نكهة الحقيقة المضيعة بين روائح بهارات المصالح الشهية أمام شراهة الكثيرين من أبناء جغرافيته .. (إنفصاليون ورب الكعبة ) بهذه العبارة عنون ابن الطاهر مقالته التي وسم فيها الحراك الجنوبي بالهمجي والعنجهي وأصحابه بفاقدي البصيرة .. كيف ولماذا .. ولأجل ماذا انقلبت عقلية الكاتب بعد كل مواقفه المشهودة ؟! أقف مشدوها أمام هالات من الحيرة عن إجابة هذا السؤال !! فهل يعقل أن يحكم على حراك شعب بأكمله من بعض التصرفات النزقة لشخص من هنا وآخر من هناك ؟!.. أم أن المسألة مسألة جينية بحتة بدأت أولى مفعولاتها بهذا المقال، كغيره ممن دندنوا على أوتار القضية الجنوبية ليصوغوا سيمفونية أهدافهم باسقاط نظام صالح ثم مالبثوا _بعد أن أسقطوه_ أن رجعوا إلى أسلوبه البربري العنيد في التمسك بالوحدة على نفس الصيغة الظالمة التي جاءت كنتيجة بديهية في سياسة المنتصر في حرب 94م. تساؤلات كثيرة هرولت إلى عقلي علها تجد بين خلاياه إجابة شافية لغليل حنقها إثر هذا المقال لهذه الشخصية البارزة إلى درجة أني شككت بأنه عبدالباري طاهر الكاتب المعروف ..وقلت لربما تشابه أسماء .. فليس من الممكن أن يكون هو بعد كل ما عهدناه عنه في مشاركاته الكتابية والتلفزيونية على مختلف المنابر الإعلامية داخلياً وخارجياً في الاستنصار للقضية الجنوبية بل وقد كان من أكثر الكتاب إنصافاً لها على المستوى التاريخي تحديداً فيكاد يكون الوحيد الذي انبرى بكتاباته في الرد على محاولات الكذب على التاريخ وتزييفه لمن تقولوا في ندواتهم وورشاتهم الثقافية بواحدية اليمن على مدى التاريخ ..ولطالما أثلج صدري بمصداقية طرحه ومداخلاته .. فماذا جرى له ياترى حتى يتهجم على الحراك الجنوبي بهذه الفجاجة والصلافة المتبدية من عنوان المقال قبل أن يسترسل القارئ في تفاصيله ؟!..(إنفصاليون ورب الكعبة)!! يارجل ماهذه الحمية (الإنفصالية) التي اعترتك فجاة دونما سابق إنذار حتى؟؟!!.. أم ياترى قد حان الوقت لأن تكشف عن حقيقة الرغبة التي دافعت لأجلها عن القضية الجنوبية كغيرك ممن اتضحت حقائق مواقفهم بعد رحيل صالح وتنفست آمالهم الصعداء في الوصول إلى كرسيه ؟؟!! حقيقةً عجزت عن خلق إجابة على تغير موقف الرجل ؟؟ لتبقى الخيارات مفتوحة في تحليل الموقف والوقوف على حالته التي ربما تكون في النهاية جينية حقاً مصداقاً لقول سيد الكونين (ص) بأن "العرق دساس".