في سياق مقال "انفصاليون وِرِبّ الكعبة" لعبدالباري طاهر ,المنشور في صحيفة الأولى عدد519 الخميس13 سبتمبر2012م والذي أثار ردود أفعال وانفعالات وضجة وضجيج لاسيما في الجنوب أكثر مما يستحقه ,اقصد المقال وليس صاحبه الأستاذ القدير عبد الباري طاهر السياسي المثقف الأريب والمعروف بمواقفه الواضحة وآراءه الشفافة في مختلف موضوعات الشأن العام التي يكتب فيها وعنها ,وهو من أطيب الناس الذين يتشرف المرء بمعرفتهم ومزاملاتهم , وقد تشرفت برفقة الأستاذ طاهر في غير مرة وبمناسبات ثقافية وفكرية لا سياسية طبعا,فضلا عن كوننا هو وانأ زملاء في اتحاد الأدباء والكتاب ,الذي يعد هو من مؤسسية النشطاء. ورغم التزامه السياسي اليساري الحزبي الاشتراكي , إلا انه من بين معظم الأعزاء الاشتراكيين الذين نعرفهم من فرع الجنوب أو الشمال يعد الأفضل في رجاحة عقله وتوازنه واتزانه ,أو هذا ما اعتقده أنا في الرجل ,مما يبديه من مواقف وكتابات معلنة , مملوحة بأفق نقدي عقلاني مثقف ولو انه نسبيا ,إلا انه ظهر متميزا عن غيره من الدوغمائيين الاشتراكيين ,الذين توقف التاريخ عندهم ,عند "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف" كتاب لينين الشهير !! أقول لعل تكوين العزيز عبد الباري الأدبي والتعليمي ,في بيئة عامرة بالثقافة ,بيت الفقيه وزبيد في الحديدة المظلومة ,هذا البذرة العقلانية المكتسبة والمدربة ,ساعدت إلى حد كبير على تهذيب وتلطيف النزعة الإيديولوجية اللاهوتية الصارخة التي ملكت جماع روح معظم الرفاق حد الهوس , وهذا ما سبق وأوضحته في مناسبة سابقة . فما الذي كتبه السيد عبد الباري في مقاله الأنف الذكر ؟ وما الذي جعلني استدعي المفكر أبو بكر السقاف هنا ؟! "لاهوت الوحدة أرومة طاغوتها" هو مقال للسقاف نُشر في صحيفة التجمع بتاريخ 12/11/2007, وأعيد نشره في كتاب "دفاعاً عن الحرية والإنسان" إعداد: منصور هايل ,عن منتدى الجاوي الثقافي, في صفحة 140 ,وهو جدير بالقراءة والتأمل الصبور والأمين ,اعني الكتاب عامة ومقال "لاهوت ...." خاصة , إذ هو حصيلة نقاشات وحوارات عميقة خاضها السقاف بشأن الوحدة ولاهوتها السياسي ,منذ خريف 1988م استهلها ب12 حلقة من سلسلة طويلة من الكتابات في صحيفة صوت العمال الجنوبية , ولم يكن هذا المقال الأخير المهم والخطير للسقاف إلا ثمرة مخاض عسير وتجربة عملية قوية وخبرة كافية في اختبار الفكرة وتجسدها في الواقع الحياتي الملموس للناس , اقصد فكرة الوحدة الرهيبة التي أكدت كل ما كان قد حذر منه ونبه إليه الأستاذ أبو بكر قبل عام 90م ,وكأنه كان يقرأ النتائج التي انتهت إليها من بعيد , يا له من نافد البصر والبصيرة ,كما كان الشاعر البصير الكبير عبد الله البردوني..! في مقال السقاف هذا ورد ذكر للأخ الفاضل عبد الباري طاهر , وذلك في سياق النقاش الذي أثاره مقال السقاف( لاهوت الوحدة أرومة طاغوتها) حينذاك كتب طاهر مقال يرد فيه على السقاف بعنوان : "الخطر طاغوت الوحدة وليس لاهوتها" في صحيفة التجمع بتاريخ 19/11/2007م إي بعد أسبوع من مقال السقاف ,ما يعني انه ردا عليه, أو محاولة لمناوشته. ما أدهشني، وعلى نحوٍ خاصٍ، وأنا أعيد قراءة مقال السقاف , وكذلك مقال طاهر الأخير (انفصاليون ورب الكعبة ), ذلك الحضور الكثيف للاهوت العقدي والسيكولوجي في ذهنية طاهر , وكأنه مسّاً مرضياً لا أمل من التعافي منه أبداً ! وهذه المرة كان أكثر حضورا منه في عام 2007م وكما يفصح العنوان المستلهم؛ كما قال في المستهل , معربا عن الاعتذار "للمناضل والفقيد الكبير عمر الجاوي عن بعض التغيير في عنوان مقالته (انفصالية ورب الكعبة ) .. وهو عنوان افتتاحية مجلة "الحكمة...في مارس 87م" أي قبل الوقوع في فخ الكارثة الصفقة المسماة "وحدة" بثلاث سنوات.. أيعقل هذا يا صديقي طاهر؟؟!!! الم يكفي كل ما تم من خراب وتدمير وفشل وإخفاق ,وما نحن فيه هنا والآن من وضع فاجع؛ ألم يكفي شخص كبير ومجرب مثلك ليستخلص عبرة من التجربة والحياة؟؟ لقد كانت لغتك، في هذا المقال القصير، مشبوبة بالحماسة والطاقة العاطفية اللاهوتية الشاعرية الصوفية ,التي تُمتَح من المدونة الدوغمائية ذاتها!.. فكيف لمثلك يمكنه ترديد الكلمة الإيقونة ذاتها "الانفصالية والوحدوية" و"المناضل الكبير والمناضل الصغير" وفقاً لمعيار لاهوتي صارم ! والذي كان السقاف وهو زميل درب الفقيد عمر الجاوي وابن عمه ,قد انتقدها قبل 90م ,هل من المعقول بعد ذلك الفشل الذريع والكارثي للفكرة اللاهوتية وللطاغوتها الرهيب ,اقصد (حلم التوحد وجريمة الحرب والاحتلال والدمار والتمزق والتمزيق ) بعد ما حصل ولا زال للفكرة الخطأ يعاد استلهامها , ويُهمل كلياً نقدها ,أليس من المنطقي والبديهي أن الناس حينما يخفقون يبذلون جهود مضاعفة للبحث في الأسباب التي آلت بهم إلى ذلك المصير ,بعكس ما كان يشتهي السائق, فالنقد يكون أولى باللاهوت يا أستاذ طاهر. ليس هناك شيء أو قيمة اسمها "وحدة" أو "انفصال" ( انفصاليون أصليون , وانفصاليون ثانويون ,) ! ليس هناك سيء اسمه وحدة تم اغتيالها ,وانفصال جهوي وقوي وطنية وقوى رجعية (ويمن بعد حراكها السلمي وثورتها ....الخ ) وشعر وشاعرية ومنطق ومنطقية.. هذه كلها ترانيم وتعويذات لاهوتية لم يعد بإمكانها حشد المشاعر الجياشة في قلوب المتبتلين المؤمنين , بل سقطت من القلوب والنفوس والأذهان , كما تتبدد جميع الأحلام في ظلام النسيان ,بل غدت ذاتها يا سيدي كابوس ووبال على أصحابها قبل أي أحد آخر ! فما يتنضد اليوم أمام البصر والأبصار في الجنوب والشمال من حقائق ووقائع مادية محسوسة وملموسة سياسية خالصة متعرية عن كل لبوسها الزائفة ,حقائق تفقئ العين من شدة وضوحها وعنفها وسطوتها , وعلى من يحب أن يمارس السياسة فهمها كما هي في هذا الواقع المتعين. فثمة فرق شاسع بين ما نرغب ونتمنى وبين ما هو كائن ولا سبيل إلى الهروب منه أو عنه, وليس من طبيعة السياسة التوسل بالشعر والحكمة والأفكار العظيمة والشعارات الخلابة والآسرة. ودعني أعيد عليك هنا، ما سبق وقلته للأخ العزيز الدكتور ياسين سعيد نعمان ,الذي أعلنت تضامني المطلق معه فيما تعرض له من محاولة اغتيال آثمة من ذات القوى الذي انتدب نفسه للدفاع عنها وتبريرها في نظريته عن "إشكاليات الثورة", أقول يا صديقي ,إن السياسة علاقة قوة وصراع مصالح حية وليست أوهام ومشاعر طيبة ومعتقدات ونوايا حسنة ,في السياسة ليس هناك وطني وغير وطني وحدوي وانفصالي ,مستحيل وغير مستحيل ,تلك الثنائيات وغيرها هي ما ناضل الفيلسوف المحترم أبو بكر السقاف كي يلقنها للسياسيين,الذين يجيدوا القراءة والكتابة في الشأن العام منذ سنوات طويلة. ارجعوا إلى أبو بكر السقاف لفهم ما كتبه عن هذه الخرافة المهلكة قبل حدوثها بسنوات ,أرجعوا إلى السقاف, ابن عم الجاوي، إن أردتم فهم الواقع وصيرورته , وظلّوا مع الجاوي إن أردتم الإطالة في التبتل والصلاة والشعائر اللاهوتية ,وتقبل عميق احترامي. * خاص عدن الغد