ستناقش مشاورات جنيف القادمة المحاور المتعلقة بإجراءات بناء الثقة بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي الانقلابية، ومن هذه المحاور: آلية إطلاق سراح المعتقلين والأسرى، وحل إشكالية دفع أجور العاملين في الخدمة المدنية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وبعض القضايا الإنسانية الأخرى. لم يعد اليمنيون يعولوا على نجاح أي مشاورات أو حوار مع جماعة الحوثي سواءً برعاية الأممالمتحدة أو غيرها. لكن، يبدو أن المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث متحمس لإنجاح المشاورات ويعول على خبرته الطويلة في مجال فك النزاعات. لكنه، سيكتشف، متأخرا مثل زملائه السابقين أن الحوار مع جماعة مليشاوية لا تؤمن سِوى بلغة العنف غير مجدي ولا فائدة منه. سيعرف أيضاً، أنه يبحث عن السلام المفقود. من يعرف أيديولوجيا جماعة الحوثي سيخرج بنتيجة مفادها أن الحوار معها ما هو إلا مضيعة للوقت. كسبت حركة الحوثي فن المرواغة في الحوار من حلفائها في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت. علاوة على ذلك، تمتلك الجماعة خبرة عالية في كيفية كسب مزيدا من الوقت، فلو نظرنا إلى الاتفاقيات التي أبرمتها مع الحكومة اليمنية سنجد أن هذه الجماعة تجيد فن الوعود ولكنها لا تلتزم بما وقعت عليه. على سبيل المثال، نقضت جماعة الحوثي الاتفاق الأول بينها وبين الحكومة اليمنية الذي عقد برعاية قطرية بشهر فبراير من العام 2008. كما دخل السياسي اليمني المخضرم الراحل د- عبدالكريم الإرياني كممثل للحكومة اليمنية في حوار مع جماعة الحوثي قبل اجتياحها للعاصمة صنعاء. فشل الدكتور الإرياني في إقناع هذه المليشيات وقال مقولته الشهيرة " من غضب الله عليه مدّ في عمره حتى يأتي اليوم الذي يفاوض فيه مهدي المشاط."
كما وقعت جماعة الحوثي على اتفاق السلم والشراكة في 21 أيلول سبتمبر 2014 لتسوية الأزمة بينها وبين السلطات اليمنية. لكن، رفضت على توقيع الملحق الأمني الذي ينص على بسط سيطرة الدولة على كافة أراضيها ووقف القتال...إلخ. ولاحقا، غدرت جماعة الحوثي بذلك الاتفاق بكامله ورمت به عرض الحائط واقتحمت مؤسسات الدولة وأدخلت البلاد في صراع دامٍ. أيضاً، رفضت التوقيع على الملحق الأمني في حوار الكويت في العام 2016. وقد خرج مبعوث الأممالمتحدة آنذاك ولد الشيخ أحمد بتصريحه الشهير خلال كلمته الأخيرة كمبعوث للأمم المتحدة إلى اليمن وأكد أن جماعة الحوثي غير مستعدة للحل السياسي ولا تهتم بمصالح الشعب وأنها هي من أفشلت حوار الكويت. إذن مما سبق يتضح أن مشاورات جنيف لن تنجح لعدة أسباب: أولاً: جماعة الحوثي غير مستعدة للجنوح للسلم ووقف نزيف الدم اليمني لأن العنف سمة أساسية في ابجدياتها وايديولوجيتها الطائفية وهي تؤمن بأن الحكم حق لها ولا يجوز لأحد منافستها، وبالتالي ستقاتل حتى آخر لحظة. ثانياً: تعرف جماعة الحوثي أن حلفاء الحكومة الشرعية غير جادين في مساعدتها لهزيمة الانقلاب الحوثي، ولذلك ستتعنت وتماطل مثلما كانت تماطل في الحورات السابقة. ثالثاً: لن تطلق جماعة الحوثي كافة الأسرى والمعتقلين لديها بمن فيهم الشخصيات السياسية والعسكرية. رابعاً: لن تنسحب جماعة الحوثي من المدن، ولن تسلم السلاح، ولن تورد إيرادات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها إلى البنك المركزي في عدن. خامساً: هناك أطراف إقليمية ودولية تريد المشهد اليمني أن يبقى كما هو عليه الحال من أجل تنفيذ أجندتها الخاصة. إذن، ستفشل مشاورات جنيف إذا لم يكن هناك إرادة إقليمية ومحلية ودولية لحل الصراع الدائر في اليمن. لا نتشاءم، بل متفائلون ونتمنى أن تنجح مشاورات جنيف، ولكن يبدو أن ذلك لن يتحقق. الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، وما علينا سِوى الصبر.