من حق السيد مارتن غريفيث أن يتفاجئ وينذهل ويستغرب ، عندما تلقى موقف الرئيس هادي الذي فيه عبر له عن رفضه التام عن أي حضور للقضية الجنوبية على طاولة المفاوضات في جنيف ، خاصة بعد إن كان غريفيث قد نجح في إدراج قضية الجنوب ضمن أولويات عملية السلام نتيجة للواقع المستدعي ذلك ، ذهول غريفيث من هذا الموقف الرافض جعله ينصدم مستغربا ، كيف لرئيس دولة بلاده تحيطها المشاكل من جميع الأتجاهات ، وشعب يصارع الموت و الجوع بسبب الحروبات ، و من كثر اختلاق وإفتعال الأزمات في الخدمات والحاجات ! ، كيف له أن ينكر الحق المشاهد للعالم قاطبة ! ، كالحق الجنوبي وجوهر قضيته العادلة !، وكيف له كمبعوث أممي أن يخلص إلى حل مشاكلهم في جنيف وطرف مهم ورئيسي كالانتقالي الممثل لشعب الجنوب في التفاوض عنه ، قد تم رفض مشاركته في المفاوضات رفضا قاطعا . ولم يراجعوا ذاتهم عن أن شعب الجنوب متواجد على أرضه ، وأن له قضية لأجلها كافح وضحى ، بل حتى مشاركتهم التحالف في الحرب ضد الحوثي ، والانتصارات التي حققوها على الأرض ، وقبولهم أن تتخذ الشرعية من وطنهم المحرر مأوى لها وقتا من الزمن ، لم تشفع للجنوبيين و لم تأخذ بإحسان ردالمعروف ، والجميل ، و بكل جحود ونكران كل تلك رميت بعرض الحائط . من هذه المقدمة المتنكرة لحق الجنوبين ، مفاوضات جنيف ستكون في مهب الرياح ، وستقتل في مهدها ، وهذا الأنطباع عنها سيسود تفكير كل المحللين و السياسيين والإعلاميين العرب والدوليين والمحليين، بمن فيهم وفود الشرعية والحوثين والممثلين للتفاوض أنفسهم ، حتى الراعي الأول لهذه المفاوضات (غريفيث) ومن قبل أن تبدأ ، ستكون الخيبة والفشل هما المسيطران على شعوره ، لما رآه وعاينه من الظلم والتآمر والتحايل والألغاء والكذب التي ملأت أجواف رؤساء الطرفين الحوثي والشرعية ، عندما أشترطا عدم أشراك الانتقالي في مفاوضات جنيف . طبعا الجنوبيين غير بعيدين من حقهم ، ولا يستطيع كان من كان على هذه الأرض أن ينكر أن ليس لهم حق ، وسيكون حقهم في عدالة قضيتهم وإستعادة دولتهم أن شاء اللة دائما هو المنتصر ، لهذا ستوكل المهمة إلى الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الجنوبية وبإرادة شعبية جنوبية ، لمواجهة التحديات التي يحاول المتفاوضون فرضها عليهم ، وغريفيث نفسه سيكون هو الشاهد مع الجنوبيين على أحقيتهم في فرض تغييرات أخرى غير التغييرات التي ألفتها ماتسمى بالشرعية على كامل أرض الجنوب ، المستندة إلى بيان الانتقالي ، أنه غير ملتزم بأي مخرجات أو ألتزامات يتم الأتفاق عليها في مشاورات أو مفاوضات جنيف من قبل أطراف ليست موجودة على أرض الجنوب . وبما أن الجنوبيين لن يستسلموا في هذه المعركة ولا يمكنهم أن يتراجعوا خطوة واحدة إلى الوراء عن ما تحقق لهم ، ولا بديل لهم غير أن ينجحوا من خلال تهيئة أجوائهم السياسية والعسكرية والأقتصادية ، التي تمكنهم من الثبات بقوة على أرضهم ، وضرورة النجاح لكسب ثقة الشعب الجنوبي الذي أنهكته الأزمات وانعدام الحاجات والخدمات ، _ حيالها_ سيكون حال الحوثي متغيرا مع الشرعية في التفاوض ، ولا يمكن أن يعترف بها ، بينما سيكون هو طرفا معترف به بعد موافقة الشرعية التفاوض معه ، وسبب عدم أعتراف الحوثي بالشرعية ، لكونها في ذلك الوقت ستكون فاقدة للسيطرة ، وغير موجودة على الأرض ، حتى السيطرة الشكلية التي منحها الجنوبيين أياها ستسلب منهم ويكون الانتقالي ومعه مكونات النضال الجنوبي الأخرى هي السلطة الفعلية على الأرض الجنوبية . وسيكون التفاوض مستقبلا بين القوتين الموجودتين على الأرض ، ومن ثم الاتفاق المبني في العودة إلى ماقبل 22 مايو 1990م.