ينساب القمر مرسلا خيوطه الذهبية على صفائح الماء وينعكس وهجه على موج البحر راسما بذلك لوحة بديعة يسبح الجمال فيها بجميع ألوانه و أنغامه. إنها اللحظات الثمينة التي تغري بوفرة من سمك القاص (المرية ) السمك الذي يكون قريب من الشاطي يتغذى من الشعاب المرجانية ويقتات على الرخويات مثل حلزون البحر وأصناف من القشريات والسرطعون البحري . إنها اللحظات التي يجذب فيها القمر هذه السمكة نحو الطعم مثلما ينجذب الحديد إلى المغناطيس . ما إن يتناصف القمر كبد السماء حتى يحمل عدة الصيد وأكياس الطعم (الحيشي ) ويمشي لايلوي على شيئا متجه نحو ساحل القرين ومصائد الخياص بمنطقة قصيعر شرق حضرموت . للصيد اليدوي متعة عجيبة وراحة وانسجام تعمر مشاعره وخواطره ...إن(النقف) واللحظة التي يشتد فيها الخيط ثم يتراخي هي إيقاع السرور الذي يبعث الإنس في كيانه ....والخيط هي حبل الوصل بينه وبين الأسماك ويمضي اليل بين شد وجذب حتى انبلاج الفجر . لم يعد ينتظر رفقه من المكلا والحامي مثلما كان يفعل كل خميس خلال السنوات التي خلت والتي كانوا فيها يشخصون نحو مصائد قصيعر الفاتنة الغنية بالأسماك لكلا عذره والظروف ومشاغل الحياة لطالما كانت حائل دون ذلك. أصاخ الى نباح كلبا من بعيد وموى قطة وتذكر إنها منطقة يروي عنها الكثير الأساطير وقصص الخوف ولكنه معتاد على أجوائها والوحدة فيها . لبث على حالة ينظر الى وجه القمر الذي يبدد وحشته يظهر تارة ويختفي أخرى خلف السحب وكأنه وجه يبتسم حينا ويقطب حينا آخر .