في يوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر هذا العام بينما كنت اتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص في الفيس بوك والواتس وجدت منشور يتحدث عن إنتشار وباء الكوليرا في قرية الأصابع إحدى قرى مديرية ملحان محافظة المحويت غربي اليمن. في الواحدة بعد منتصف الليل تواصلت مع أشخاص من أبناء القرية من أجل أن أسأل عن حال الناس في هذة القرية التي تعانق السحاب وتمترس على روؤس الجبال كان أهلها في الماضي يصلون إليها عن طريق الحبال والتسلق على الجبال الوعرة. ولأنني من أبناء مديرية ملحان وأعرف تضاريس المديرية وبالأخص هذة القرية التي طالما كانت بعيدة عن العالم بشكل فضيع لاتوجد فيها أبسط الخدمات الصحية المقدمة من الدولة في العهد السابق أو الحالي. بحثت عن كل المعلومات الممكنة لإيصالها إلى المنظمات الإنسانية لإنقاذ حياة البشر من هذا الوباء الكارثي. في صباح اليوم التالي اتصلت بإحد الأشخاص في هذة القرية كانت إجابته لي أنقذو الناس صوته كان ضعيف جدا ويكاد أن يبكي من شدة الفجيعة التي حلت بالناس في هذة القرية البعيدة كل البعد عن أقرب المرافق الصحية إليها. كان يقول لي بصوت شاحب لا تتركو الناس تموت أنقذونا نحن بشر. وبدأ يؤكد لي هذا الشخص أن الحالات تتفاقم وفي تزايد حيث بلغت الحالات في أقل من أربعة وعشرين ساعة ثلاثة وأربعون حالة سلبية وإيجابية. الناس في خوف وهلع من جراء ما يحدث في القرية من هذا الوباء. يالله ما هذا الحال الذي أصاب هذة القرية أين المسؤولين المعنيين بذلك. مرت أكثر من خمسة أيام والناس ينتظرون الموت دون جدوى كانت حالة الناس منهاره بسبب الوباء المنتشر في القرية. تكررت الاتصالات إلى المنطقة ولكن لا مجيب إدارة الصحة بالمديرية ملتزمه بالصمت حيال مايحدث مجرد تدخلات من منظمة اليونيسيف بأشياء بسيطة مثل الصابون والتايت والكلور لتعقيم الماء. الناس تموت ببطء والوباء يتفشي والمعنيين بالأمر في سبات. في اليوم الثاني وجهنا نداء عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي إلى المعنيين بالأمر ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية لعلنا نجد من ينقذ حياة الناس من هذا الوباء القاتل. بداء التجاوب يأتي ثماره ومبادرات ذاتية تتحرك لإنقاذ حياة النساء والأطفال والشيوخ من وباء الكوليرا. هناك في البعيد قرية تعاني إهمال المعنيين في الواقع ونحن في المنفى لا نستطيع تقديم شيء سوى الدعاء لهم ونداءات بسيطة. لعلمي بوضع القرية ووعورة الطريق وحالة الناس المادية أسئلة كثيرة بدأت في مخيلتي! كيف يتم نقلى المرضي إلى أقرب مركز صحي؟ ما الذي يحدث للناس!!! لازلت أدعي الله انه لا يفجعنا بإحد من أبناء هذه القرية التي طالما عرفنا أهله بالطيب والكرم والجود.
بدأت حركة الإغاثة بالعلاجات تأتي ثمارها وزارة الصحة اليمنية بعدن بالتعاون مع منظمة استجابة ومنظمة الصحة العالمية ممثلة ببرنامج الكوليرا بصنعاء برسال كمية علاجات إلى القرية المنكوبة بالوباء. إدارة الصحة بالمديرية ارسلت فريق طبي إلى هناك. الابتسامة تعود تدريجياً إلى أطفال ونساء وكبار سن هذه القرية. فريق تطوعي يصل إلى القرية من معهد الفرسان الطبي بمديرية الخبت المجاورة. لازال خير الناس موجود في ظل اهمال وتقاعس سلطات الواقع. ماهي إلا أيام معدودة والفرحة والابتسامة تعود مجدداً إلى أبناء هذه القرية. تمر الأيام وتمضي ونحن نسمع من أبناء هذه القرية البشارات بالخير وعودة الحياة إلى كل أبناءها. في يوم الثلاثين من شهر نوفمبر من هذا العام تفاجأت بأخبار لم تكن في الحسبان جماعة الحوثي تداهم القرية وتعتقل شخصين من أبناء القرية وتقتادهم إلى سجن الكدن بمحافظة الحديدة وتطالب بكل الأشخاص الذين نقلو العلاجات إلى قرية بحجة أنه العلاجات من العدوان والمرتزقة حسب زعمهم، عساكر جماعة الحوثي تتمترس على مداخل القرية والجزء الاخر في قرية المركع المجاورة لهذة القرية علاجات الكوليرا أخذت ونهبت من داخل القرية الناس بسطاء لا يقدرون يقاومون بطش جماعة عاثت فساداً في الأرض ودمرت وطن بحجم اليمن السعيد. الكوليرا لازلت في القرية والناس لايملكون قوت يومهم ما الذي يحدث في بلد الإيمان والحكمة يمانية لم يبقى لنا إنسانية ولازالت قرية الأصابع تبحث عن الحياة والموت يقترب منها تدريجياً ولازال الموت يخيم على قرية الأصابع حتى كتابة هذا الخبر.