لم استوعب رحيلك بعد، جمعتنا لقاءات كثيرة، سادها النقاش والحوار والحديث عن أوضاع بلدنا، ولم تخلو كذلك من الأحاديث الضاحكة، فالبسمة دائماً كانت تسبق حديثك الودي. شعور الصدمة الذي داهمني حين تلقيت نبأ وفاتك لا زلت أعيشه لليوم الثاني، وربما سيُلازمني طويلاً، فكيف للوجوه التي اعتدنا عليها أن تغادر ذاكرتنا.
تلك الذاكرة التي تحتفظ بلحظات كثيرة، لا زالت غير مستوعبة، وغير مستوعب أنني لن أراك ثانية، أنني لن أستمع لصوتك، لنصحك، للأحاديث التي تشعّ وطنية وحماساً بقدر النضال الذي سلكت طريقه.
كان اسمك يسبق حضورك، عُرفت بنضالك، وهكذا عرفك الناس، كان الوطن يشغل همّك، وأنت الذي رفعت راية الكفاح مبكراً في سبيل حريته، نضالك الذي عرفته كل الميادين سيبقى نبراساً لكل الأجيال من بعدك.
أختارك الموت ونلت الشهادة، وكنا ننتظر منك المزيد، فلا زلت على كِبر سنة تمتلك العطاء، والروح المقدامة، لم تفت السنين عضدك، بل زادتك قوة وتماسكاً.
رأيناك تنزف، وكان لدمائك التي خضّبت زيك العسكري، ولامست يدك الأثر الكبير في نفوس الشعب قاطبة، كنت شامخاً، لم تنحني، ممسكاً شرفك العسكري بيدك، وباليد الأخرى تمسح عن جسدك الدماء التي نزفت منك، كان مشهداً عكس الصورة المُثلى التي يجب أن يكون عليها القائد العسكري.
رحيلك فاجعة، توحدت معه كل المواقف، بكاك الكل، من يعرفك ومن لا يعرفك، الكل أجمع على أن رحيلك خسارة لا تُعوّض، وأن فقدانك أدمى القلوب، وأبكى العيون، وأوجد فراغاً يَصعُب ملؤه.
عرفناك إنساناً، وثورياً، وقائداً عسكرياً، تحمل في جعبتك الكثير، عشت بطلاً شجاعاً، ورحلت شهيداً، وستبقى روحك خالدة في وجداننا، ونضالك نبراساً نستمد منه الأمل.