إن أعظم وأنكى من الهزيمة في ميدان المعركة، هو الإرجاف عقبها، والتهارج والتخوين، وبث الفرقة والشقاق -------------------------------- تعالت أصوات النائحين عقب سقوط حجور، ودقت نواقيس اليأس والإحباط أجراسها، في نفوس كثير من الفضلاء، فضلا عن عامة الناس، وخاض الكل وانساق في التخوين وتحميل المسؤولية أطرافا معينة، معللا النفس أنه قام بدوره، وأدى واجبه. وكأن الحرب لاتعلمنا إلا البطولات والانتصارات، ولاتلهمنا إلا الفداء والتضحيات. علمتني الحرب: قيمَة المرء وقيَمِه، فمنهم من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، ومنهم من باعها بثمن بخس دراهم معدودة. علمتني الحرب: معنى الإباء والتضحية والفداء، كما علمتني معنى العمالة والخسة والجحود، باغتيال قادة المقاومة، أواعتقالهم أو تهجيرهم. علمتني: معنى الرباط والصمود، كما علمتني معنى الخذلان والنكوص، كما حصل لدماج والقشيبي وحجور. علمتني: كيف تُزهق الأنفس، وتسفك الدماء بيد الأعداء، كما تحصد بيد الأصدقاء جرآء بعض الأخطاء؟ علمتني: أن المرجفين في كل مكان وزمان، أهدافهم واحدة، وإن اختلفت وسائلهم، وأن من الصالحين، من ينساق ورائهم؛ بناء على تصديق بعض الظواهر المصاحبة للحدث. - فحادثة الأفك فيها العظة والعبرة لنا، وكيف انساق بعض الخيرين وراء دعاتها، وانشغلوا بها، ونالوا من عرضه-صلى الله عليه وسلم- وجرحوا فيها مشاعره وزوجه الطاهرة-رضي الله عنها-. علمتني: أن النصر والهزيمة، دولة بيننا وبين عدونا، وأن الطريق طويل نحتاج فيه لكل صديق مؤمن بذات الهدف، يعيش لأجله، ويموت لأجله. علمتني: أن أعظم وأنكى من الهزيمة في ميدان المعركة، أو جبهة من الجبهات، هو الإرجاف عقبها، والتهارج والتخوين، وبث الفرقة والشقاق، بين أبناء الجبهة الواحدة أو الصف الواحد. ألهمتني الحرب: أنه لن ينفع العويل ولا النياح أو التخوين والتبرير، بقدر ماينفعنا تماسكنا وثباتنا وإيماننا بمعركتنا، ووعينا بما يُراد من هذه الحرب، ومايُراد بنا. علمتني: أن علينا لملمة الجراح، والسرى نحو تحقيق الهدف، دون الالتفات لما يحرفنا عن مسارنا، مهما كانت النوايا حسنة، (فكم من مريد للخير لن يصيبه)كما قال ابن مسعود-رضي الله عنه- (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة التوبة 105] جمال أبوبكر السقاف السبت: 1440/7/9هجرية