في شهر رمضان المبارك، كانت أهم الأحداث في تاريخ المسلمين، أحداثاً عظاماً، أعطت لهذا الشهر الكريم، مكانة عظيمة، وجعلت منه بشهادة التاريخ شهر العبادة والجهاد. ففي شهر رمضان ابتدأت أولى ومضات الوحي، وبدأ نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في «غار حراء». «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» سورة البقرة الآية «185». وفي رمضان في السنة العاشرة لبعثة الرسول الأكرم توفي عمه (أبو طالب)، وزوجه أم المؤمنين (خديجة) فحزن الرسول عليهما فسمي (عام الحزن)، وفي أول رمضان بعد الهجرة، كوّن المسلمون أول سرية مقاتلة بقيادة حمزة بن عبدالمطلب، وتلتها سرية عبيد بن الحارث بن عبدالمطلب، وكان من أثر هذه السرايا تقوية المؤمنين، وبث الرعب في قلوب أعداء الله من المشركين واليهود. وفي السنة الثانية للهجرة وقعت في رمضان غزوة (بدر الكبرى) في السابع عشر منه، وكانت أول انتصار حاسم لقوى الإسلام على قوى الشرك، وفي رمضان من السنة نفسهاوجبت زكاة الفطر على المسلمين وفي رمضان من السنة السادسة للهجرة واصل المسلمون الجهاد في سلسلة من السرايا منها: سرية عكاشة بن محصن، وسرية أبي عبيدة بن الجرِّاح، وسرية زيد بن حارثة وغيرهم (رضي الله عنهم). وفي اليوم الحادي والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة أنعم الله على رسوله وعلى المؤمنين بفتح مكة المكرمة، وفي السنة التاسعة شهد شهر رمضان بعض أحداث (غزوة تبوك) وعاد رسول الله من هذه الغزوة في رمضان نفسه. وفي رمضان من السنة التاسعة نفسها، قدم وفد الطائف إلى المدينة واعتنقوا الإسلام على يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأدوا الفرائض، وصاموا رمضان مع المسلمين في المدينة، وفي رمضان من العام التاسع نفسه، قدم وفد حمير يعلنون إسلامهم فأكرم الرسول وفادتهم وكتب لهم كتاباً حدد فيه الحقوق والواجبات، ويعد هذا الكتاب وثيقة مهمة من وثائق التاريخ المتمدن. وفي العام العاشر من الهجرة ،وفي رمضان بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في سرية من المسلمين إلى بلاد اليمن وقد حمل الإمام علي معه كتاباً نبوياً إلى أهل اليمن وخاصة قبيلة «همدان» التي أسلمت جميعها في يوم واحد. وفي شهر رمضان من السنة الحادية عشرة للهجرة، توفيت الزهراء (فاطمة) بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفي رمضان سنة 58م فتح المسلمون جزيرة (رودس)، وفي رمضان 58ه توفيت زوج النبي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - وفي رمضان 92ه انتصر المسلمون بقيادة طارق بن زياد على الملك لذريق في الأندلس في معركة من أروع المعارك في تاريخ الإسلام، وفي رمضان سنة 361ه تم بناء الجامع الأزهر بالقاهرة للعبادة والعلم، وفي رمضان سنة 584ه كان صلاح الدين الأيوبي قد أحرز انتصارات رائعة على الصليبيين حتى استخلص معظم البلاد التي كانوا قد استولوا عليها، ولما دخل رمضان أشار رجال صلاح الدين عليه أن يتوقف عن الصوم، لكنه تخوف من انقضاء الأجل قائلاً: «إن العمر قصير والآجل غير مأمون«، فواصل زحفه حتى استولى على قلعة (صفد) الحصينة في منتصف رمضان، وفي رمضان 650ه هزم المسلمون جيوش (التتار) في موقعة (عين جالوت)، وأوقفوا زحف الدمار التتاري نهائياً على باب مصر، وكان التتار يستهدفون القضاء الشامل على العالم الإسلامي.. فما أعظم رمضان وما أروع بطولاته وانتصاراته وفتوحاته، وما أروع ملاحمه الخالدة التي سجلها أجدادنا بأحرف من نور، تروي للأجيال قصة هذا الشهر العظيم شهر العبادة والتضحية، شهر الجهاد والفداء، على مر الأيام والعصور، ونسأل اللّه جل شأنه أن يجعل شهر رمضان، نهاية لمآسي الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني، وتوجهاً يمنياً جاداً لايقاف الحرب المدمرة في صعدة، والوصول إلى حل نهائي لأزمات دارفود والصومال الشقيق.