مما لا شك فيه أن ثورة شعب الجنوب على الغاصب المحتل قد أخذت منحى أكثر تجذرا على الواقع وباتت صورتها أكثر من باهرة والى مستوى الثقة الأكيدة بأن تحقيق اعادة الدولة الجنوبية آت لاريب فيه وأن المسافة الزمنية لبلوغ ذلك الهدف المنشود بما سيتخللها من عناء ومكابدة لن تكون طويلة , وليس في هذا الذي نتصوره من باب التخمين أو التمني ولكنه معطى واقعي مستقى من الحقائق الجارية على الأرض وأول هذه الحقائق ما نلمسه بالعين المجردة من اصطفاف واعي لجماهير الجنوب نحو تحقيق هذا الهدف المصيري وعلى نحو تصاعدي فلقد توالى الاحتشاد المليوني الناشد فك الارتباط مع الجمهورية العربية اليمنية والرافض لأي حوار مع المحتل وأن لا أحد كان من كان يحق له التحاور مع المحتل والأدل على ذلك ان الشعار الذي ترفعه الجماهير في كل الميادين الجنوبية موحدا ( لا تفاوض لا حوار نحن أصحاب القرار ) . وثاني هذه الحقائق أن مكونات الثورة الجنوبية مهما بدت التباينات في الآراء لدى بعضها فأن الاجماع مستقروثابت على تحقيق الأستقلال تلبية لصوت غالبية الجماهير – فهذا الصوت على مابه من جدية وصرامة لايفسح المجال لأحد أن يتجاوزه مهما كان موقعه القيادي ولقد تعلم الكل في هذه المرحلة الثورية الفريدة من نوعها ان الجماهير هي التي تفرض ماتريد لا أن يفرض عليها مايناقض أهدافها أو يستنقص من تضحياتها .. ولكم رأينا رجال كانت تمثل أرقام ذات شأن ولما هرولت نحو غايات تتعارض مع الطموح الشعبي صارت أصفارا من الشمال . ان الدرس بات مستوعبا جيدا حتى لأولئك الذين غالبهم نزوع من نوع ما على بعضهم وعكس مساوئه على الواقع الثوري كيف قابلت الجماهير تذبذبهم بالمقت والازدراء اذ كان ردها على من يسعى الى بعثرة الجهد الشعبي برفع وتيرة الاصطفاف في كل الفعاليات المنادية بحق استعادة دولة الجنوب والتلويح وبكامل الصراحة الى كل من احتسبوا من القيادات اذا لم يتحدوا ويتوافقوا مع غاياتها فأنها تمتلك القدرة على استبدالهم من الميدان . وثالث هذه الحقائق أثبت شعب الجنوب انه بمرانه الطويل في التعاطي مع المصاعب .. قد أكتسب صلابة فذة تمكنه من المضي قدما لبلوغ غايته المنشودة بمختلف السبل المشروعة . ثم أن لهذا الشعب الثائر صفة رائعة قلما تجد نظير لها وهذه الصفة تكمن في نكرانه للذات واستعداده الدائم لتحمل المشاق ..ولقد رأينا بأعيننا كيف أخذت الجماهير تتسابق من أنحاء الجنوب الى العاصمة عدن لتقيم ثلاث فعاليات مليونية متتابعة , الأولى احتفائية بيوم الثلاثين من نوفمبر والثانية احياء لذكرى التصالح والتسامح والثالثة رسالة مفتوحة الى أعضاء مجلس الأمن الذين أجتمعوا في صنعاء ليفتحوا عيونهم على اصرار شعب الجنوب في استعادة دولته . لقد كان هذا التسابق مثالي بما تعنيه الكلمة , فكل السائرين في هذه المواكب لم تسوقهم النقود ولا دعوة من حزب ولا حتى تحت عاطفة آنية كما يشيعه أزلام نظام الاحتلال وانما ساقتهم قناعتهم المطلقة بعدالة قضيتهم التي قدموا من اجلها تضحيات جسام من المحال التفريط بها مهما توهم الواهمون