من أخطر مظاهر أزمتنا اليوم هي ظاهرة الطفولة العقلية وهي التوقف عن النمو والفهم إلا للشيء الذي يحبه ويهواه ويقتنع به ، فهو لايريد أن يسمع إلا للذي يوافق قناعاته ، ولا يقرأ إلا للذي يؤجج مشاعره ويعطيه الكلام الذي يحبه. سمى القرآن الكريم هذه الظاهرة (غشاوة) وهي تصيب البصائر لا الأبصار ، وتحجب العقول عن رؤية غيرك لأنه مختلف معك في الرأي، وهنا فعلاً تقف الحياة ، فلا حلول ولا معالجات ولاحوار حقيقي للمشكلات، بل كل حلٍ يُطرح يفجّر مشكلة. أصبحت هذه الظاهرة العنوان الأبرز في الواقع السياسي والاجتماعي لفئات كثيرة فهي لاترتبط بعمر معين، بل تصيب الكل فتجد أصحاب الطفولة العقلية يشخّصون واقعهم بطفولة تفكيرهم وسطحيته ، ويتكلمون عن أمراض المجتمع وهم من أمْرضَه ، ويفترضون أدواء لبيئةٍ أخرى ، ويعالجون عاهاتٍ بغير علاجها. اليوم الطفولة العقلية أربكت حياتنا وأوجدت التصارع والتناهش وباعدت المسافات الذهنية بين الناس حتى أوصلت إلى القطيعة الفكرية بين الناس وكانت أحد أسباب التقاتل والتناحر وربما أكثر هؤلاء الضحايا مصابون بالطفولة العقلية لأنهم لم ينصتوا لنصح الناصحين بحجة الاختلاف معهم. هذه الظاهرة لها أسبابها الموجودة في مجتمعنا للأسف الشديد منها : 1- إنعزال النخب المثقفة المتخصصة عن المجتمع ومشاكله وهي التي من المفترض أن تتكلم وتضع الحلول لأي إشكال والذي يجب على الجميع الإنصات لها. 2-الاستبداد السياسي وعقلية الحزب الواحد والفكرة الواحدة وحقيقة الاستبداد هو اعتبار الناس أطفالاً يجب الوصاية عليهم لأنهم لم يبلغوا سن الرشد فتمارس عليهم الهيمنة. 3-السطحية في التفكير فهم يريدون النتائج السريعة فلا يحبون الغوص في حقائق الأحداث وتأثيراتها فتراهم يبسطون القضايا الكبرى التي تحتاج أوقات طويلة لحلها. وفي الأخير نقول: إن حاجتنا اليوم إلى الرشد والوعي الحقيقي المستوعب للواقع والذي يقوم على الوصول إلى جذور المشكلات مع ضرورة المصارحة والمكاشفة لأسباب إعاقتنا وفشلنا في حل مشاكلنا . لابد من مواجهة النفس بالعيوب على مستوى الفرد أو المجتمع. لابد من مزاوجة العقل والواقع والحقيقة والأمل ونستأنف مسيرة الحياة بشراكة حقيقية تضع الأمور في نصابها حتى تكون النتيجة حقيقية وواقعية. وماعدا ذلك فوهم وخيال.