لطالما حرصت قوى الشمال المنتصرة بعد العام 1994م على تأصيل مفهوم "الوحدة او الموت " في إشارة واضحة إلى المصير المنتظر لاي إنتفاضة جنوبية محتملة، كما شكل هذا المفهوم لاحقا وعلى ما يبدو مبدأ راسخا وقناعة متجذرة لدى الطيف الشمالي نخبا وأفرادا . ولأن قضايا الشعوب العادلة وحقوقها التاريخية لا يمكن دفنها او محوها بتقادم السنون، وجد الجنوبيون من حرب 2015 م التي فرضت عليهم الفرصة المنتظرة ليتحرروا من قيود تلك الوحدة المغدورة وما شكلته من واقع اقصائي مستبد وإجحاف ظالم عانى منه الشريك الجنوبي طيلة سنوات تلك الوحدة . لكن يبدو هنا ان مأساة مفهوم الوحدة وتراكماتها السيئة لم تنتهي مع بدء تحرر الجنوب اليوم عن الشمال، يتجلى ذلك بوضوح حين تشاهد مدى صراخ ونحيب أدعياء تلك الوحدة من الذين تأصلت لديهم مفاهيمها الخاطئة مع كل فعل يقدم عليه الجنوبيون يهدف إلى فك ارتباطهم عن الوحدة مع الشمال، فعوضا منهم عن التهكم وتوجيه سهام الخيانة لقياداتهم الشمالية للحال المخجلة التي اوصلوا البلاد اليها وتحديدا الشمال الذي اضحى يبحث عن هويته في ظل صراع المشاريع والمصالح الذي يعيشه اليوم، فانك ستجدهم حينئذا وبكل غرابة وإبتذال وهم يوجهون جام غضهم وحقدهم صوب الاخر الجنوبي ذلك لمجرد انه أراد يوما ان يتحرر من عفن الوحدة ومغادرة مفهومها المفروض عليه. لذا باعتقادي سيظل الاخوة في الشمال يدورون طويلا في حلقات ذلك الصراع بحثا عن هويتهم الحقيقة خارج أطار مفهوم الوحدة الذي طبع زيفا في مخيلاتهم. ولربما سيكتشفون وإن كان متاخرا أن اكذوبة الوحدة او الموت تلك التي طالما أمنوا بها وامضوا سنوات طويلة وهم يجادلون ويحاربون عبثا تحت رأيتها قد دحضت واندثرت في عامها الاول ومن شقها الشمالي للاسف، وان ذلك الجنوبي الانفصالي لم يكن الا شماعة لتعليق فشل وإنتهازية ذلك الشمالي الوحدوي . فمتى إذن يستفيق شرفاء الشمال من غفلتهم هذه ويتداركوا سريعا في درء ما يهدد نسيجهم الاجتماعي وهويتهم التاريخية؟ بدلا من إضاعتهم الوقت في الركض خلف سراب الوحدة مع الجنوب المحرر؟ ألم يحن الوقت لأن يعوا حقيقة خطر أعداءهم الفعليين فيتحدوا جميعا ضد مشاريع الملالي والمرشد؟ متى سنسمع عن إصطفاف شمالي حر يحمل مشروعا وطنيا يتمثل بالحفاظ على هويته ونسيجه وكيانه التاريخي؟ ولو من باب النكاية بدعاة الانفصال ان لم يكن من باب التأكيد للاقليم والعالم ان ثمة مجتمعا شماليا حرا لازال حيا ويرفض ان يكون يوما حاضنة لمشاريع مريضة تتعارض مع محيطه او تضر بعلاقته مع جيرانه. مؤسف جدا! أن تسخر كل وقتك وجهدك عبثا في مواجهة جارك الجنوبي تحت مبرر الحفاظ على الوحدة، فيما تقف هنالك متفرجا مسلوب الارادة امام من افنيت عمرك ولاء وطاعة له ليسلبك اليوم وحدتك وهويتك، فقط لمجرد انه ينتمي لجغرافيا الشمال..بالفعل مايحدث مؤسف جدا.