كانت تريم متماهية مع الحدث في الذكرى الأولى ليوم الكرامة ... يوم الحادي والعشرين من فبراير 2013م . يوم قال شعب الجنوب كلمته من الغيظة إلى المندب . لا للانتخابات الرئاسية التوافقية , لا لتزوير إرادات الشعوب ... لا لانتخابات جاءت وفق مبادرة خليجية , لاتهمنا ... مبادرة تجاهلت تماما قضية شعب الجنوب المتمثلة في الاستقلال , وفك الارتباط عن وحدة غادرة , ماكرة .
فجر يوم الحادي والعشرين من فبراير 2013م الموافق يوم الخميس , كنا نسابق الزمن .. نسابق شروق الشمس , شوقا , وولهاً إلى تريم ... رتل طويل من الباصات المتوسطة والصغيرة , ترافقها عديد من السيارات الخاصة بين صغيرة وكبيرة ومتوسطة . ما أن بدأت الحركة نحو ألغنا , وسارت الحافلات في خط مستقيم , حتى رأيت الشباب اليافع , القابع في أجوائها , يتقافز من النوافذ الجانبية , نحو السطوح بخفة القرود , وشراسة الأسود , وإيمانا مطلق بالقضية هوية ووطن . يرفرفون بأعلام الجنوب , ولا في بالهم غير المحبة للجنوب . وقد تزينت كل حافلة , أمامها وخلفها , وعلى جانبيها بالشعارات الثورية وصورة رمز الثورة الجنوبية السيد على سالم البيض .
سائقي الحافلات , أجادوا باختيار الأغاني والأناشيد المناسبة للحدث , لبثها عبر السماعات الداخلية للحافلة , فتولد جوً من التفاعل والحماس , من خلال تراقص الأجسام وترديد الكلمات .
لم نمر بتجمع للناس إلا ورفعوا إلينا يايديهم بعلامة النصر , واشتباك الكفين , لتأكيد المساندة , كانوا من مختلف الأعمار والمهن . أما الوادي ... وهذه الكلمة تقال اختصارا لوادي العين بكل مناطقه , من المدخل كان الناس على جوانب الطريق يحيونا ويتفاعلون معنا , وكلما توغلنا فيه لا نرى غير المحبة للجنوب , وفاجئونا بتقديم التمر والخبز والماء , في لفتة إنسانية عميقة , جعلت عيناي تغرورق بالدموع , وازدادت انهمارا وأنا أرى يدين تلوحان من نافذة موارية بعلم الجنوب بحركة راقصة جميلة .
في أحد شوارع القطن انفرجت بوابة كبيرة لبيت على شارع مرورنا عن طفلين في عمر الزهور يلوحان لنا بمرح وسرور بعلم الجنوب , وثمة شاب خرج من منزله على عجل اذ لم يكن مرتديا كامل ملابسة , كي لا تفوته توثيق هذه اللحظة النادرة بكامرته الديجتال , فأحد يركز من أول الرتل إلى آخره , ومن النوافذ المغلقة نصف كانت كاميرات أجهزة الهواتف المحمولة .. تتلصص لاقتناص صورة نادرة قلما يجود بها الزمن لهؤلاء الذين تحملوا المشاق وجاءوا لمشاركة تريم أفراحها .
في تريم ...آه يا تريم ... ويا ريم وادي تريم , كان الشكل غير ... كان الشكل الثاني . دخلناها عند إقامة صلاة العصر , فدلفت الجموع إلى المساجد على خط السير , بعد ذلك كان مجسم دله تريم يستقبلنا متزينا بعلم الجنوب ... وفوق أحدى اللوحات الإعلانية الفخمة شاب وطفل من تريم يحيون زائريها . وميكرفونات منصة الاحتفال تصدح لنا , بلسان السيد ابوبكر عبدالرحمن بن شهاب .. بشراك هذا منار الحي ترمقه , وهذه دور من تهوى وتعشقه .. وهذه الروضة ألغنا مهدية .. مع النسيم شذا الأحباب تنشقه . نعم يا تريم , لقد أهديتينا شذاك النواح , وعنفوانك وكبريائك ... وكانت فقرات الحفل أكثر من رائعة , وكان الحضور كثيفا ملفتا للنظر .. الحشود تبتري إليها زرافات , ووحدانا من كافة مناطق وادي حضرموت ومن الساحل , وأرسلت شبوة الباسلة وفداً برئاسة المناضل الشيخ احمد ناصر باعوضة نائب رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي السلمي م / شبوة .. عاشت تريم يوما جميلا ثورياً .. نزهو فيه ببهجة النادي ورونقه .