برغم السوداوية التي وسمت بها أحداث أغسطس الماضي، والتي نرفضها ونتمنى عدم حدوثها مرة أخرى، على قاعدة المثل المصري (مش كل مرة تسلم الجرة) إلا أن فيها صور إيجابية تحتاج إلى تسليط الضوء عليها. . . وكما هو الحال في كل دول العالم عندما تندلع اشتباكات مسلحة لابد من تشكيل لجان البحث والدراسة للوصول إلى الجوانب السلبية؛ في المسببات، وفي سيرورة الحدث، وفي نتائجه؛ وهذه مهمة القيادة.. وليس لنا التنظير فيها قبل أن تصدر اللجان تقاريرها، والتي يفترض أن تكون القيادة قد شكلتها منذ اليوم الأول لانتهاء الوجبة الأولى من القتال مطلع أغسطس. . . وأما الجانب الإيجابي فلامانع من تناوله في حديثي مع كثير من المثقفين والمواطنين وجدت حالة من التفاؤل؛ سببها أن القتال الذي حدث ورغم كثافة النيران إلا أنه لم يخلف أعداد كثيرة من المصابين، وهذا يدل على أن المتقاتلين لم يوجهوا نيرانهم باتجاه بعضهم بعض، وأن القتال لم يكن منطلقه روح المقاتل المبغض؛ والتي عادة ماتكون مشحونة بالغضب والحقد والقسوة والعنف ضد العدو، مايعني أنهم كانوا يتقاتلون وهم مدركين أنهم ليسوا أعداء، وإنما تنفيذاً لأوامر قيادات سياسية اختلفت، وجرتهم إلى المواجهة، وكان بيدها أن تحل خلافها بالطرق السلمية؛ وهذه حالة من الوعي العسكري يجب الحفاظ عليها وتنميتها . . . وفي حديثي مع بعض قيادات الانتقالي وبعض قيادات الشرعية التمست حرص الجميع على دماء الطرف الآخر، وعلى صون كرامته، والحفاظ على مكانته واحترامه . . . وهذا تجسد بوضوح بعد وجبة القتال الأولى التي انتصر بها الانتقالي؛ عندما ترك لوائي الرئاسة التي تحمي قصر معاشيق كماهي، وتحت قيادتها السابقة، وترك قوات الأمن الخاصة بقيادة فضل باعش كماهي، وترك القادة المتبقين يعودون إلى منازلهم معززين مكرمين . . . وكذلك في بداية الجولة الثانية من القتال نهاية الشهر عندما سيطر أنصار الشرعية "الجنوبيين" على أجزاء واسعة من عدن وتعاملوا مع اتباع الانتقالي بنفس الأسلوب وإذا انتقلنا إلى المناطق التي سيطرت عليها القوات "الشمالية" المحسوبة على جيش الشرعية "بينما هي في الحقيقة تابعة لحزب الإصلاح"؛ والتي تحركت من مأرب بأوامر من قيادة الإصلاح، متمردة على -الرئيس هادي-القائد الأعلى للقوات المسلحة، ودرسنا سيرورة المعارك؛ سنجد حالة من الوحشية والعدوانية وسفك الدماء قامت بها تلك القوات.. وكأنه تم إعدادها وتدريبها وبناء عقيدتها القتالية على سفك دماء الجنوبيين بدون رأفة؛ لأنهم العدو الحقيقي وليس جماعة الحوثي، وأن الأرض التي عليهم تحريرها والسيطرة عليها هي الجنوب وليست الشمال التي يحتلها أتباع إيران وعليه؛ فإن على الجنوبيين شكر الله أولاً فهو الذي يؤلف بين القلوب، قال تعالى {لو أنفقت مافي الأرض جميعا ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} فهو الذي جعلهم أقرب لبعضهم البعض، ولم تنجح الأيديولوجيات الفكرية والانتماءات السياسية من دفعهم لسفك دماء بعضهم بعض، ومهما بلغ الفجور بالخلاف وحتى لو وصل إلى القتال فإنهم يحافظونعلى أرواح وكرامة بعضهم بعضا بفضل الله . . . وفي المقام الثاني شكر الرئيس هادي والذي أعطى أوامر واضحة بحرمة القتال الجنوبي الجنوبي، وعدم الإعتداء، ووجه كل القوات أنه حتى في حالة الدفاع عن النفس فتمنع من الرد إلا بعد أخذ إذن مباشر منه، وعندما تمرد الميسري والجبواني "وهما وزيران في حكومته" وافتعلا القتال بين الجنوبيين؛ وأيدهم وانضم لهما كل الأحزاب السياسية "الشمالية" وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب والوزراء والمفكرين "الشماليين" ، لم ينجر فخامة الرئيس خلف هذه الجوقة الانقلابية ورفض الإدلاء بأي تصريح، ورفض الرد على قادة الألوية في طلب الإذن بالقتال، ورفض منح عصابة الموت في حكومته أي مشروعية في قتالها للانتقالي والمقاومة الجنوبية. وفي المقام الثالث نشكر قيادة المجلس الانتقالي على قراراتها السريعة بالعفو عن الجميع، ومنع اعتقال القيادات والجنود الذين غرر بهم الميسري، وتحركها السريع للأعتذار مباشرة لكل قائد أخطأ في حقه أي جندي من جنودهم . . . وكما قال المثل (من زرع حصد) فقد زرعوا مكارم الأخلاق وجاء الرد بأحسن منه عندما تحولت الغلبة في عدن بجنوبي الشرعية ختاماً؛ على القيادات الجنوبية المتصارعة في الانتقالي والشرعية الحفاظ على هذه القيم والأخلاق، فبها سينتصر الجنوب بعون الله. والله أعلم