وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    "سبحان الله".. جمل غريب ب"رقبة صغيرة" يثير تفاعلا في السعودية    "مساومة جريئة تُفاجئ الحوثيين: نجل قاضٍ يُقدّم عرضًا مثيرًا للجدل للإفراج عن والده"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    المهرة: شجاعة لا مثيل لها.. رجال الإنقاذ يخوضون معركة ضد السيول ينقذون خلالها حياة مواطن    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    خطوات هامة نحو تغيير المعادلة في سهل وساحل تهامة في سبيل الاستقلال!!    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    الإنذار المبكر بحضرموت يطلق تحذيرا هاما للساعات القادمة    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيادات الجنوب.. هل عفا عليها الزمن؟
نشر في عدن الغد يوم 19 - 10 - 2019


القسم السياسي
يُرجع كثير من المراقبين تأخر القضية الجنوبية في تحقيق أهدافها، إلى افتقارها للشخصية القيادية التي يجتمع حولها الجنوبيون وتتحمل على عاتقها تلبية مطالبهم.
وعلى مدى تاريخه افتقد الجنوب لقيادة موحدة، تتميز بالكاريزما ومواصفات القيادة، حتى أن تاريخ الحزب الإشتراكي اليمني الذي حكم الجنوب نحو ربع قرن من الزمان لم يستطع أن ينفرد شخصٌ بزعامته أو قيادة البلاد بشكل منفرد، أو بفترة زمنية طويلة.
ولم تحظَ أية شخصيات جنوبية بالشعبية والجماهيرية، أو على الأقل إجماع الرفاق السياسيين حولها، باستثناء قحطان الشعبي وسالم ربيّع علي، الذين لم يُعمرا طويلاً على رأس سلطة الجنوب، حتى باتت القيادات التي خلفتهما في سدة الحزب والبلاد غير قادرة على تحقيق ما حققاه، خاصةً وأنهما كانا يتمتعان بكاريزما القيادة، وبتاريخ نضالي صنعاه في الميدان.
ولهذا تعاقبت الكثير من القيادات الجنوبية على قيادة البلاد والحزب الاشتراكي، التي لم تستطع مواجهة الاستحقاقات الوطنية ولا حتى المسئوليات الضخمة المتعلقة بحياة الناس، واحتياجات المواطنين، فغرقوا في النزاعات الحزبية والمناطقية الضيقة، واستسلموا للصراعات الداخلية بين الرفاق حتى كانت سببًا في قتلهم أو حبسهم أو نفيهم.
ويُمكن أن يكون التقليد السياسي للأحزاب اليسارية، والاشتراكية تحديدًا، في اعتماد نظام القيادة الجماعية في إدارة الأحزاب والدول هو ما أوقع الحزب الاشتراكي في ورطة غياب الشخصية القيادية الحاملة لمشروع وطني سياسي واقتصادي يخدم المواطنين ويوفر متطلباتهم الخدمية، بعيدًا عن النزاعات والصراعات الحزبية الميتة.

زعماء وقادة.. بمصيرٍ أسود
تميزت الفترات المتلاحقة من تاريخ الجنوب عقب الاستقلال الوطني بعدم الاستقرار السياسي، فعقب جلاء الاحتلال البريطاني تولى قحطان الشعبي قائد الجبهة القومية رئاسة البلاد، ومان رفيق دربه وقريبه فيصل عبداللطيف رئيس وزراءه.
وبعد أقل من عامين كان مصير هذين القياديين غياهب السجون، عقب انقلاب الرفاق عليهما في أحداث ما أسماه المنقلبون بحركة يونيو 1969 التصحيحية، وقضيا في السجن آخر أيامهما حتى باغتهم الموت هناك، بحسب تقارير حقوقية.
مصيرٌ أسود كهذا لم يكن بمنأى عن قائد شعبي ومناضل حقيقي من مناضلي الاستقلال، كان يُعرف حركيًا باسم "سالمين"، أو الرئيس سالم ربيع علي، الذي أدار البلاد عقب انقلاب 1969 بطريقة القيادة الجماعية برفقة أعضاء الجبهة القومية.
ونظرًا لقيادة سالمين وشعبيته الجارفة، وربما بسبب أحداث الاغتيالات المتالية التي عصفت برؤساء شمال اليمن، انتهز الرفاق تلك الأحداث ليتخلصوا من "سالمين"، إلى الأبد، رغم إعلان رغبته بالنفي الاختياري إلى أديس أبابا، لكن الرفاق كانوا أوفياء لثقافة التصفية الدموية التي طُبقت بحق الرئيس سالمين، أواخر سبيعينيات القرن العشرين.

ذهاب قيادات.. ومجيء أخرى
لم يختلف المشهد بعد تلك الأحداث، واستمر حتى بداية الثمانينيات، حتى غادر المُنظّر الأول للاشتراكية اليمنية، عبدالفتاح إسماعيل، مؤسس الحزب الإشتراكي اليمني، منفيًا باختياره إلى موسكو 1981، بعد ضغط الرفاق لتسليم السلطة عقب خلافته لسالمين.
ذات الحال تعرض له علي ناصر محمد، الذي كان يُمسك بزمام كافة السلطات تقريبًا في الجنوب، من أمانة الحزب، ورئاسة هيئة مجلس الشعب الأعلى، ورئاسة الوزراء، قبل أن يعود عبدالفتاح إسماعيل من منفاه ويتفق مع الرفاق لإجباره على التنازل عن عدد من تلك المناصب، لتنتهي تلك المساومة باشتعال الوضع في عدن خلال أحداث يناير 1986، والتي كانت من نتائجه نفي علي ناصر محمد، ومقتل قيادات الصف الأول الجنوبية السياسية والعسكرية التقليدية، والتي كانت تقود الجنوب منذ الاستقلال.
ويرى متابعون أن نتائج أحداث يناير أفرزت قيادات جديدة استلمت إدارة الجنوب، بينما فرّ أغلب القيادات التي مازالت على قيد الحياة إلى الخارج، أوقُتلت وتم تصفيتها خلال تلك الأحداث..ويعتقد المتابعون أن القيادات الجديدة قيادات من الصف الثاني التي لم تقوى على إدارة البلاد؛ لهذا لجأت للاتحاد مع شمال اليمن في وحدةٍ اندماجية مفاجئة.
أبرز تلك القيادات كانت من أمثال علي سالم البيض، وحيدر أبو بكر العطاس، وياسين سعيد نعمان، تسلمت قيادة البلاد، بعد غياب قيادات كعلي ناصر محمد ومحمد علي أحمد، وعبدالفتاح إسماعيل وعلي عنتر، وغيرها ممن غيّبها الموت أو النفي أو السجن عن المشهد.
أغلب تلك القيادات تمتلك تاريخًا طويلاً من الرصيد النضالي في الجنوب، حتى أن بعضهم بدأ لاعبًا في تاريخ الجنوب منذ الاحتلال البريطاني، وامتد منذ بداية الدولة الجنوبية، واستمر حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
غير أن أغلب تلك القيادات لم تكن تدرك أن دورها التاريخي سينتهي بمجرد انخراطها في الوحدة، التي وضعت حدًا لتجربتها السياسية والقيادية بعد فشلها في مقاومة نظام علي عبدالله صالح الذي خطط للتخلص منها، مما يؤكد أن تلك القيادات افتقدت للرؤية الثاقبة، ولم تكن تعمل للحفاد على دولةٍ بكل مقدراتها انخرطت في اتفاقٍ مع طرفٍ قوي سياسيًا وأكثر مكرًا.

عودة.. ومغادرة.. وإنزواء
وإذا كانت أحداث يناير 1986 قد وضعت حدًا لتاريخ كثير من القيادات الجنوبية كعلي ناصر محمد ومحمد علي أحمد، فإن حرب 1994 فتحت المجال لعودة عدد من القيادات التي تم نفيها خلال صراعات الجنوب المتعاقبة، كالقيادي عبدالرحمن الجفري، ومكاوي وغيرهم، لكنهم سرعان ما عادوا أدراجهم بعد اجتياح الشمال للجنوب في نهاية الحرب التي لم تدم أكثر من ستين يومًا.
وللمفارقة، فكما عادت قيادات جنوبية في بداية حرب 1994، كانت هذه الحرب هي ذاتها التي رسمت نهاية العديد من القيادات الجنوبية التي تسلمت القيادة في الجنوب بعد 1986، رغم تقديمها تضحياتٍ سياسية جليلة في سبيل تحقيق الوحدة في 1990.
ولم يسمع أحد بأخبار تلك القيادات والشخصيات السياسية أو حتى العسكرية، كوزير الدفاع خلال 1990 - 1994 هيثم قاسم، حتى قبيل انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في 2007، فبعد سيطرة نظام صالح على الجنوب أصدر قائمةً مكونةً من ستة عشر شخصية قيادية جنوبية متهمة بالخيانة العظمى للوطن، ويبدو أن ذلك ما دفع تلك القيادات للسكون، والإنزواء بعيدًا عن الأضواء والإعلام طويلاً.

العطاس.. وحسه الوطني والخدمي
وفي الوقت الذي انزوى فيه أغلب القادة خوفًا من قائمة التخوين وأحكام الإعدام التي أصدرها صالح؛ كان المهندس حيدر أبو بكر العطاس، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس الدولة في فترة ما بعد يناير 1986 بصفته رئيسًا لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، هو الوحيد من القيادات السابقة التي كانت تواكب الأحداث التي أعقبت حرب 1994، فبعد خروجه من عدن متنقلاً بين القاهرة ودبي والرياض، لم تخرج وقائع الجنوب من هاجس العطاس.
حيث كان العطاس يقوم بمقابلات صحفية مع وسائل الإعلام العربية والعالمية للحديث عن الأوضاع في الجنوب، في ظل قمة وأوج جبروت نظام صالح، ويدلي بتصريحات تنتقد الوضع، حتى قبل بدء تظاهرات الحراك السلمي، ودائمًا ما كانت أحاديث تتسم بالواقعية والهدوء، ويبدي حرصًا على مستقبل البلاد.
واللافت في نشاط العطاس الإعلامي خلال فترة تواجده خارج البلاد أنه كان يحرص على وضع اليمن ككل بشماله وجنوبه، تمامًا كما يفعل حالياً وقبل حتى حرب 2015، وأحداث 2011.
ويبدو أن هذا الحس الوطني في خطاب العطاس السياسي هو ما دفع الرئيس هادي للحرص على تواجده بقربه كأحد مستشاريه.. وفي حقيقة الأمر فإن شخصية كالعطاس تبعث على الإنجذاب إليها، كونه رجل دولة في المقام الأول، ولعل انتماءه إلى محافظةٍ كحضرموت جعلت منه شخصًا بعيدًا عن النزاعات المناطقية والقروية التي جلبت الوبال على عدن والجنوب، وهو ما جعله محل اتفاق بين مختلف الفرقاء الجنوبيين.
ولعل هذا ما يؤهله ليكون متواجدًا في كل مراحل الجنوب، واليمن عموماً، المقبلة.. مثلما كان حاضراً في الشأن الوطني حتى بعد حرب 1994، خاصةً وأن الرجل ليس أيديولوجيًا بقدر كونه شخصية اقتصادية وخدمية يمكن أن يتولى مسئولية إدارة حكومة ما، قد تخرج بها أية مشاورات يمنية قادمة، فتميزه بأنه شخص منفق عليه من الجميع يؤهله لذلك، في ظل فترةٍ تطغى عليها الإقصاءات والنزاعات.

البيض.. الصامت الكبير
لم تُثر شخصية جنوبية استغرابًا من سكوتها وإنعزالها منذ خروجها عن المشهد السياسي والوطني في البلاد منتصف 1994 مثل شخصية الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الأسبق، ونائب رئيس دولة الوحدة الأسبق، علي سالم البيض.
ذلك أن غيابه عن المشهد استمر طويلاً دون مبرر، وكأنه ارتضى بالوضع، قبل أن يظهر بشكل باهت وضعيف في أواخر 2007 بعد اشتداد موجة الحراك السلمي الجنوبي، حتى أن الجنوبيين لم يحتفوا بظهورٍ كهذا، ولم يعول عليه الكثير، خاصةً في ظل ارتباط مطالب الحراك في بدايتها بالحقوق الاقتصادية والمعيشية، قبل أن تتحول إلى مطالب تقرير المصير وفك الارتباط.
كان البيض أحد وزراء أول حكومة في جنوب اليمن بعد الاستقلال من بريطانيا، واستمر في تقلد الوزارات والمناصب السياسية والحزبية، حتى وصل إلى عضو اللجنة المركزية للمكتب السياسي في الحزب المركزي اليمني، وكان أحد الناجين المتواجدين في مجزرة اللجنة المركزية في يناير، قبل أن تخلو الساحة من القيادات التاريخية وتدفع به الظروف إلى منصب الأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني.
وبحسب النظام الإشتراكي فإن الأمين العام للحزب القائد يعتبر هو الرجل الأول في الدولة، وهو ما جعله المخول في تحديد مصير الجنوب والاندماج مع الشمال في وحدة يمنية بين الشطرين؛ ليصبح بعدها نائبًا للرئيس علي صالح.
غاب البيض طويلاً.. متنقلاً بين سلطنة عمان والعاصمة اللبنانية بيروت، وكما وصفه أحد الصحفيي اليمنيين عقب خطابه في بداية تظاهرات الحراك الجنوبي 2007، بقوله: "سكت دهرًا.. ونطق كفرًا".
لم يكن الحراكيون ينتظرون من البيض الكثير حينها، ولا حتى مجرد خطابه الذي لم يحمل شيئًا إطلاقًا، مما يؤكد أنه لم يعد مجديًا بالنسبة للمرحلة التي عاشها الحراك حينذاك.. حتى أن كثيرين تمنوا لو أنه استمر في صمته وغيابه عن المشهد.. بعد أن حملوه مسئولية إدخالهم في وحدة إندماجية لم يحسب حسابها، وتسببت في وقوع مقدرات وثروات الجنوب حتى هيمنة نظام صالح.

علي ناصر.. من الرئاسة إلى الأبحاث العلمية
بينما كان الرئيس السابق لدولة جنوب اليمن، وأمين عام الحزب الإشتراكي اليمني، ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، ورئيس وزراء الجنوب السابق، علي ناصر محمد ممسكًا بمقابيد كل تلك المناصب بيده الحديدية، منذ أن تم نفي عبدالفتاح إسماعيل إلى موسكو مطلع الثمانينيات.
ويرى كُتّاب ومحللون، منهم شاكر الجوهري مؤلف كتاب (الصراع في عدن) أن احتكار علي ناصر محمد لكل تلك السلطات التشريعية والتنفيذية والحزبية لنفسه كان وبالاً عليه، حيث رفض التنازل لغريمه عبدالفتاح إسماعيل بعد عودة هذا الأخير من موسكو منتصف الثمانينيات تحت إلحاح خصوم علي ناصر، الذين أصروا على ضرورة تنازل علي ناصر عن بعض سلطاته.
ورغم تنازل علي ناصر عن رئاسة الوزراء لمصلحة حيدر العطاس، إلا أن بقية الرفاق سعوا إلى المزيد، وكان ذلك، بالإضافة إلى نقمة علي ناصر ورفضه للتنازل عن بقية مناصبه سببًا في تفجير أحداث يناير.
انتهت الأحداث بهزيمة جناح علي ناصر، نفيه إجباريًا إلى صنعاء، ثم رحل إلى دمشق بسبب إشتراط شركاء الوحدة اليمنية الجنوبيين، وأنشيء هناك مركزًا للدراسات، أطلق عليه مركز الحزيرة للدراسات السياسية، وظل متابعًا للأحداث السياسية في المنطقة واليمن تحديدًا، وتفرغ للعمل في مركزه البحثي مقدمًا الاستشارات العلمية والبحثية، وغير بعيد عن المشاركة فيما يشهده الشمال والجنوب اليمني.
غير أن تحميل فصيل جنوبي المسئولية لعلي ناصر وراء أحداث يناير، والخلافات التي بقت وما زالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم هو ما جعل علي ناصر بعيدًا عن المشهد مجددًا.
ورغم دعوات التصالح والتسامح التي يطلقها بين الحين والآخر المنتمون إلى الحراك الجنوبي أو المجلس الانتقالي، إلا أن كثير من أبناء الجنوب ينظر إلى تاريخ علي ناصر محمد بأنه دموي، خاصةً وأن قواته التي سيطرت على عدن خلال الأيام الأولى من أحداث يناير 1986 تطورت - كغيرها من القوات المواجهة الأخيرة -في أسلوب القتل بناءً على الهوية والانتماء المناطقي التي أودت بحياة قرابة 30 ألف شخص خلال أيام.
وهي المسئولية التي يشترك فيها طرفي الصراع الدموي في عدن، وفق مراقبين.

غياب القيادة الجنوبية الموحدة
ينتقد متابعون للشأن الجنوبي، مكونات الحراك وفصائله المختلفة بعدم امتلاكها لقيادة قوية، تدير مصالحها وتخقق مطالبها الشعبية والسياسية.
غير أن ما يؤخذ على القضية الجنوبية ككل، غياب القيادة الموحدة التي يتفق عليها الجنوبيون، ويمنحنوها فرصة الحديث باسمهم في المحافل الدولية.
حتى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تأسس مؤخرًا، وادعى امتلاكه تفويضًا شعبيًا بقيادة القضية الجنوبية لم يُكتب له الإجماع الجنوبي، في ظل تعدظ المكونات الحراكية الجنوبية، وتشعبها، فهناك الحراك السلمي الجنوبي الذي بدأ في إشعال التظاهرات، وهناك المجاس الجنوبي للتحرير والاستقلال.. وغيرها من الفصائل التي تتداخل مسمياتها وحتى انتماءاتها.
وهو ما يجعل من تحقيق الجنوب لأهدافه من الصعوبة بمكان في ظل هذا التشتت والتضارب، وتعدد المدعين ومن يزعم بالتفويض دونًا عن الآخرين، في تجسيد عملي للإقصاء الذي عاشه الجنوب طويلاً.
حتى أن مشاركة بعضاً من القيادات التاريخية في نشاط الحراك الجنوبي بمختلف فصائله لم يكن له صدى إيجابياً، بقدر ما قد يسيء لتلك المكونات، ويجعلها في موقف التصنيف المناطقي أو الحزبي أو السياسي.
ولهذا كانت مشاركة القيادات الجنوبية التاريخية في تلك الأنشطة على استحياء، واكتفت بدعمها من خلال التصريحات والتعليقات الصحفية والإعلامية، وعن بعد أو من وراء الحدود.

اجتماعات القيادات في الخارج.. ما هدفها؟
ويُرجع المتابعون آخر لقاء جمع تلك القيادات إلى أواخر يوليو الماضي، في العاصمة الأردنية عمّان، بدعوة من المعهد الأوروبي للسلام، وسبقه لقاء في منتصف 2018، ولم يخرج اللقائين بأي نتائج تفيد الجنوب أو تعمل على توحيد الجهود للخصول على حقوق ومطالب الجنوبيين المشروعة.
وفي الواقع، فإن الجنوبيين لم يعولوا كثيرًا على تلك الاجتماعات واللقاءات التي لم ترسخ شيئًا سوى استمرار انقسام الجنوبيين وضياع قياداتهم بين الإغراءات الإقليمية وعدم قدرتهم على التدخل في مصائر الجنوب بمنأى عن اللاعبين الخارجيين.
وبحسب مراقبين فإن القيادات الجنوبية لا تملك حقيقيًا تستطيع الدخول به ندًا مقابل المشاريع الأخرى.. مؤكدين أن أية لقاءات تتم بين القيادات الجنوبية في الخارج هدفها التلميع الإعلامي فقط، ولا تنظر إلى هدف الجنوبيين، ولا إلى الوصول إلى توافق جنوبي - جنوبي.

بين هادي.. والزبيدي
المراقبون يشيرون إلى القيادي الجنوبي الوحيد الذي يمتلك مشروعًا يحفظ للقضية الجنوبية كرامتها ويستعيد حقوقها، هو الرئيس هادي من خلال مشروع اتحادي يمنع تدخل الشمال وأي نظام سياسي في مقدرات وثروات الجنوب ومصيره.
ويؤكدون أن المجلس الانتقالي الذي يقوده عيدروس الزبيدي التقط فكرة الفيدرالية والنظام الاتحادي الذي يروّج له هادي بقوة وبإخلاص، ليصبغ بها دولة الزبيدي التي ينشهدها.
فالزبيدي يعمل حاليًا - رغم عدم اتفاق جميع الجنوبيين على قيادته - على اقتناص المشروع الاتحادي، ليدرجه في كل خطابات وبيانات المجلس الانتقالي، ويحاول الترويج لها منذ ما قبل أحداث أغسطس الماضي.
القياديان الجنوبيان الوحيدان المتنافسان حالياً هما رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وكلاهما تقف خلفهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
لكن الاختلاف بين الرجلين يكمن في أن الأول يمتلك مشروعًا صاغه اليمنيون بما فيهم الجنوبيون في مؤتمر الحوار الوطني الذي حرص على تمثيل كل مكونات اليمن، حتى الحوثيين.
ورغم مصالح الرياض وأهدافها الواضحة من وراء دعم هادي، إلا أن هذا الأخير متمسك بمشروعه الاتحادي، الذي يرى أنه سيحافظ على حقوق جميع المواطنين، وسيقدم للقضية الجنوبية ما لم يستطع تقديمه أي قيادي جنوبي سابق، وفق متابعين.
بينما يؤكد مهتمون بالشأن اليمني أن الزبيدي لا يمتلك أي مشروع عملي واقعي سوى مزيدًا من التشظية والتفتت، الذي يواجه الأرض الجنوبية.
ذلك أن الزبيدي يتبع توجيهات أبو ظبي التي هي الأخرى لا تمتلك مشروعًا أو هاجسًا أمنياًا استراتيجية مثل الرياض، بقدر امتلاك الإمارات مصالح اقتصادية وتجارية ضيقة، تستخدم قادة الانتقالي في تنفيذها.

قيادات غير قادرة على فعل شيء
ويبدو أن هذا الوضع المتأرجح في الجنوب، وتاريخ الاقتتال المتبادل هو ما يمنع القيادات التاريخية تفر من المشهد وترضى بالمنفى وتتوجس حتى من محرد التفكير في العودة إلى السلطة في ظل رفض شعبي، وعدم تحقيق تلك القيادات أية إنجازات تشفع لها، سوى الدماء والخراب والصراع.
ولذلك يؤكد مراقبون أن دور تلك القيادات انتهى اليوم، وليس بإمكانهم أن يخوضوا غمار السياسة أو قيادة الجنوب، إلا في حالة تقديمهم مشاريع ذاتية نابعة من احتياجات ومطالب الجنوبيين، وليس تنفيذًا لأجندات خارجية وإقليمية.
فتاريخهم في تفرقة الجنوب، والعمل لمصالحهم المناطقية الضيقة فقط، كان سببًا في ضياع القضية الجنوبية إلى اليوم، وعدم تحقيقها أية مكاسب حقيقية، حتى الجنوبيين أدركوا أن تلك الشخصيات لم يعودوا قادرين على فعل شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.