منحة ال1.3 مليار سعودي لم تصل إلى حساب الحكومة بعد    غزة.. استخراج رفات 42 فلسطينيا مجهولي الهوية من مقبرة عشوائية    إجراء قرعة بطولة التنشيطية الثانية لكرة الطائرة لأندية حضرموت الوادي والصحراء ( بطولة البرنامج السعودي )    اتحاد حضرموت يفتتح مشواره بالستة على مدودة في كاس حضرموت للناشئين    النفط يتراجع مع ترقب زيادة إنتاج (أوبك)    هيئة المرأة والطفل بالانتقالي تشدد على ضرورة تعزيز خطط العمل المستقبلية    أبناء الدريهمي بالحديدة يجددّون النفير والجهوزية لمواجهة مؤامرات الأعداء    ميسي يحسم موقفه من مونديال 2026    بإيرادات قياسية... باريس سان جيرمان يصعد إلى المركز السابع بين أغلى فرق العالم    عقب اشتباكات مسلحة.. قائد محور الغيضة يؤكد ضبط جميع أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات    البيضاء .. تدشين المخيم الطبي المجاني الشامل للأطفال بمدينة رداع    مجلس القيادة يجدد دعمه الكامل للحكومة والبنك المركزي في مواصلة تنفيذ الإصلاحات    18 تريليون ريال و7 مليارات دولار.. الحكومة اليمنية تتجه لمزيد من الاقتراض وتحذيرات من غرقها في الديون    الأرصاد: درجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى ما دون 5 درجات في المرتفعات    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    فلسفة السؤال    هيبة الدولة تشترى ب 6 مليون ريال.. حضرموت بين عبث الجهلة وضياع البوصلة    أعرافنا القبلية في خطر: إختطاف القبيلة!    الإطاحة بعصابة استغلت العمل الخيري للاحتيال على المواطنين في عدن    السلفيون الحجوريون يثيرون الفتنة في مساجد المهرة    مدينة عتق.. عطش يطارد الأهالي ومؤسسة المياه في صمت مريب    الذهب بأدنى مستوى في 3 أسابيع وسط تفاؤل بشأن اتفاق بين أميركا والصين    ناطق الزراعة بغزة: حرب العدو قضت على 92% من انتاج الزيتون في القطاع    اتحاد كرة القدم يعيد تشكيل الجهاز الفني والإداري للمنتخب الأولمبي    أسر مختطفي إب تناشد المنظمات الحقوقية الدولية التدخل العاجل للإفراج عن ذويهم    الإصلاح في تعز يشترط المال لتسليم المقرات الحكومية    المساوي:استخبارات أجنبية تسعى لزعزعة استقرار تعز والسيطرة على ساحلها    أمريكا تنشر طائرات تجسس متطورة في الخليج وسط تصاعد المخاوف من الصواريخ الباليستية    كارفاخال يتعرض لانتكاسة جديدة    مصرع 4 مهاجرين غرقا قرب السواحل اليونانية    سفارات لخدمة العمل اللادبلوماسي    عبدالرحمن شيخ: الانتقالي مشروع وطني والشراكة ضمانة ضد التفرد والفساد    توكل كرمان أمام القضاء التركي بتهمة التحريض على الإرهاب في المغرب    الدكتور الترب ل"سبوتنيك": حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن "مقصودة" ولن تستمر طويلا    ضبط 369 كجم حشيش في صعدة    حملة تكشف اين رواتب اليمنيين    وزير الشباب والرياضة يناقش برامج تأهيل وتدريب شباب الضالع واوضاع نادي عرفان ابين    قراءة تحليلية لنص "ولادة مترعة بالخيبة" ل"احمد سيف حاشد"    مؤامرتا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واليمني للجنوب العربي    صنعاء.. مناقشة دراسة أولية لإنشاء سكة حديد في الحديدة    ضبط 185 قطعة أثرية عراقية في بريطانيا    الأسهم الأوروبية تسجل ارتفاعا قياسيا    مزاد "بلاكاس" الفرنسي يعرض تمثال لرجل من آثار اليمن    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    وزارة الشباب والرياضة تمنح نادي التعاون بحضرموت الاعتراف النهائي    وزير التربية يدلي بتوجيه هام!    دراسة حديثة تكشف فظائع للسجائر الإلكترونية بالرئتين    لصوص يسرقون ألفي قطعة نقدية من متحف فرنسي    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    قراءة تحليلية لنص "أنتم العظماء لا هم" ل"أحمد سيف حاشد"    الصحة العالمية تعلن عن ضحايا جدد لفيروس شلل الاطفال وتؤكد انه يشكل تهديدا حقيقيا في اليمن    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    عدن: بين سل الفساد ومناطقية الجرب    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر مغترب !
نشر في عدن الغد يوم 10 - 11 - 2019

لو تميزت وتباهت المترادفات عن بعضها البعض في من حيث البؤس والشقاء لكانت كلمة "الغربة من أشد وأقسى ما يتلفظ بها الانسان ليس الا لمتاعبها ومشاقها على كاهل المغترب خارج وطنه ..
السفر مفتاح الحياة النبيلة، ويفتح أمام المرء آفاقاً غريبة، ويدفع به إلى أن يتعلّم أشياء جديدة، عبر نماذج أخرى كانت مغلقة أبوابها أمامه، ومن خلال التجربة والانخراط فيها، وهذا يكرّس تفعيل دورنا في الحياة بدلاً من عدم الانفعال والتفاعل فيها.
أدرك يا صديقي أن كل منا يحلم بركوب طائرة لا يهم أبداً إلى أين تحلق الأهم أن نخرج أنفسنا من الوطن الذي لعنه البعض مرات المرات ، ليس إلا لضيق العيش ونكده نتيجة النخبة السياسية التي شرذمت وطن بأكمله
يا عزيزي ،ألم تعلم أن أصعب ما في الغربة هو الإحساس بفراق الأحبة ... . إحساسك بأن الغربة فرقتكم لا مشاركة لأفراح ولا لأتراح . . .إحساسك أنك أصبحت أقوى على الصبر والتحمل . . ولكنك تخاف علي قلبك أن يتعود فراق الأحبة في وطن مجروح ، تجول خواطرنا وأحاسيسنا بحال وطنا وأهلنا ، بل أجزم لك يا صديقي ، أن الزمن الذي يخاف فيه أهلنا عليه من الغربة انتهى، وجاء زمنٌ نحن في غربتنا نخاف عليهم من الوطن الذي هم فيه ، "عن بلدي الجريح أتحدث" !
يا صديقي ، أتعلم ان الغربة الحقيقة ليست محصورة في بُعد الأبدان عن الأهل والخلان فحسب ، وإنما هي الانقطاع عن معرفة أحوالهم والطمئانية عنهم ، أتذكر يوماُ ما كنت معي صديقي في غربتنا ، وفجئة انقطعت شبكة النت ليلاً فبقيت أكابد تلك الساعات القصيرة زمناً ، الطويلة بُعداً عن العالم المصغر ، وفي حينها أدركت ان غربة الماضي ليست كغربة الحاضر ، فمع مواقع التواصل يخف ألم الشوق والحنين لهم.
آه ...ما أقساها من لحظات أن تنام على فراشك ، وفجئة تنخرط ذاكرتك لتفتح لك ملفات مليئة بذكريات الماضي التي تجعل بصرك شاخصاً إلى سقف غرفة نومك ، ودون أن تشعر والدموع تنهار على خديك لا على فراق صديق أو حبيب ، وحياتك التي لا تعوض " أمك" وعن أبيك الذي ما ذُكر اسمك في موطن الا والحقته بمن كان سببا لوجودك في هذا الكون ، وعن فلذة كبدك الذي هو جزء لا يتجزأ منك ، وعن إخوانك الذين هم عضدك ، وأصدقائك وجيرانك الذين تحلو الحياة بهم.
ما أقساها من لحظات ان تعيش في بلد الغربة ، فتتساقط قطرات المطر في فصل الصيف ، فتشتم رائحة التراب ، فتضع يد على خدك ، فيجول خاطرك الى وطنك الذي ترعرت فيه ، وتتذكر طفولتك التي حُظ يت باللهو واللعب مع رفاقك ، فيزداد المطر بغزارة ، فيحن قلبك الى تراب وطنك ، وهكذا ينعم الناس بالخير وانت في خاطر يليه خاطر، ويصدق فيك
قول القائل " الجسم في بلد والروح في بلد يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد!
ما اقساها من لحظات أن تعيش في بلد لا تسمع فيه العربية او العامية منذ سنوات ، وفجأة يمر ماره على الطريق يتحدثون تلك اللهجة التي اعتدت سماعها في وطنك ، فتعيد النظر ، فاذا هم جماعة من أبناء جلدتك ، فتقترب منهم ، ويحلو الحديث بتلك اللهجة الخفيفة الغنية بالفكاهيات .
ما اقساها من لحظات ان تعيش بعد زواجك بثلاثة اعوام يا صديقي، فيمن الله عليك بابنه "البكر" ، فتحلو حياتك بمداعبتها والمرح معها يوماً بعد يوم حتى تألفك وتعانقك في كل لقاء، وتضل في بالها أنك سعادتها ، وفجئة تجبرك الأقدارعلى فراقها ، فتضل ذاكرتك مليئة بنبرات صوتها ، وبتلك العبارات الملعثمة من فيها ، والتي تحاول ان تنطقها امامك فتنعم بسماعها ،،، ويزداد حنينك لها عندما يبلغوك الأهل انها أخبرت بسفرك فظلت تبكي حتى أرهقت من كثرة النواح حتى غلبها النوم .
"جسمي معي غير أن الروح عندكم ، فالجسم في غربة والروح في وطن ، فليعجب الناس مني أن لي بدناً لا روح فيه ولي روح بلا بدن"
كم مرات ترددت على مسامعي أن الغربة تصنع الرجال ،ولكنها في المقابل تفسد الاخلاق اذا لم تلازم الأقران الصالحين ، فكم صالحين فسُدت اخلاقهم نتيجة غربتهم , وكم من شباب صاروا عظماء وذو شأن بين أقرانهم ليس إلا نتيجة العيش في بلاد الغربة.
في الغربة يتعلم الشاب الذي كان مدللاً بين اسرته دروساً لاتمحى من ذاكرته ، فأول ما يتعلم الاعتماد على الذات ، قبل بضعة أعوام كنا بين أسرنا اذا اتسخت الملابس نرمي بهن خلف ظهورنا ، ولا نلتفت أين وضعناها ومتى سيغسلن، ولايهمنا شيء سوى ان نراهن نظيفات جاهزات ، بينما في الغربة نغسل ملابسنا بأنفسنا ، ونقلق اذا اتسخت سريعاً ونهتم بهن حق الاهتمام ، كنا بين أهلنا إذا تاخر الطعام ولو لدقائق معدودة لعذر مقبول صرخنا وكِلنا اللوم والنقد لماذا ولماذا ، أو اذا زاد قليلاً من الملح أو نقص قليلاً من السكر ، نصرخ ولا نبالي !
أما في غربتنا فنطبخ ونعجن الخبز ويعذر بعضنا بعضا ، ولنأكل ما حصل ، ونشجع بعضنا بعضناً ، ولكن في الحقيقة أننا عرفنا قدر أمهاتنا ومالهن من فضل علينا ،،،فلن تعرف قيمة ما تملك حتى تفقده .
كنا بين أهلنا إذا اتى وقت النوم نرى الفُرش قد جُهز ، فننعم بنوم هنيئ ، ثم إذا اتى الصباح ارتميناه دون أي مبالاة؛ لأننا ندرك أن هناك من يقوم بالمهمة ، ولكننا في غربتنا نفرش ونرفع الفرش وننظفها ووووالخ
كنا بين أهلنا لا يهمنا كم أنفقنا من الفلوس ؛ لاننا نستطيع ان نختلق اي مشكلة أو مبرر ونحصل مايسد حاجاتنا ، ولكننا تعلمنا في الغربة أن اليوم الواحد هو من الشهر وأنه ينبغي ان تكون له ميزانية معقولة حتى لا يأتي نهاية الشهر ونحن في أزمة يرثى لها ، فنتعب على أنفسنا ونقلق أهالينا .
فمما يجدر به الإشارة في هذا السياق أن الغربة مدرسة تعلمنا منها أشياء كثيرة ، وبالمقابل تحملنا متاعب ومشاق لا تنسى ، فعرفنا معنى الشوق والحنين لمن نحب ولتراب وطنا ، وتعلمنا كيف نعتمدعلى أنفسنا وكيف نتحمل مرارة الصبر ، وأننا أهل لتحمل المسؤولية في أي حال ، وأن الحياة قائمة على نضال وصبر ، ثم يسر يليه عسر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.