بعد كل انتكاسة عسكرية سياسية تمر بها البلاد تبرز إلى ساحة الواقع الكثير من السلوكيات الضارة والقبيحة على مستوى الفرد والاسر والمرافق الحكومية والمهن وتمس مختلف الفئات العمرية والنوعية. فلا ننسى بعد حرب يناير 1986م السلوكيات التي برزت على مستوى القرى والمدن وكان للأعلام الرسمي في ذلك الوقت الدور الاساسي في تجسيد تلك السلوكيات والاخلاقيات التي كان من شأنها تمزيق الشارع وشق الصف الوطني على أساس مناطقي وقبلي أدت إلى مزيد من التباعد والجفوة بين أبناء الوطن وخلقت حالة من الكراهية القائمة على أساس المناطق التي انعكست من خلال الملاسنات الكلامية من خلال عبارات الشتم والقدح المتبادل بين أبناء المحافظات التي تصدرت الخصومات وخاضت غمار المعارك القتالية . ثم جاءت حرب صيف 1994م وبرزت بعدها الكثير من السلوكيات السلبية أبرز تلك السلوكيات ضرب المثل الوحدوي برصاصات الاعدام حيث هزم في نفوس الجنوبين معنى الوحدة وتلاشت العلاقات الاخوية ليحل محلها الفرقة والخصام حيث انقسم المواطنون إلى منتصرون وهم الشماليون وانصارهم من بعض المحافظات الجنوبية الذين كان لهم دور في دعم حرب الشماليين ضدَّ الخاسرين للحرب وهم جميع فئات الشعب في الجنوب حيث سادت النظرة الاستعلائية للمنتصرين تجاه خاسري الحرب وكان من سلوكيات تلك الفترة تسيد الشماليين لكثير من المناصب وسيطرتهم على منابع الثروة والأرض والتصرف بمقدرات الجنوب تصرف المالك الوحيد الذي يحق له حيازة وامتلاك كل شيء في الوقت نفسه على الجنوبي القبول بأيِّ شيء لأنه فضلة وتابع وهكذا سادت نظرة الاحتقار والتهميش من قبل أسياد الحرب ضدَّ الخاسرين لها وهكذا حضي الانصار بقليل من الميزات التي سمحت لهم بالظهور بمظهر الاستعلاء فكانت البلطجة المنظمة من قبل قيادات وتجار في نظام الشمال لاحتكار كل موارد الجنوب وفي ظل الفساد السياسي للنظام نشأت طبقة من الفاسدين في كل دوائر ومصالح الدولة وتفشت الرشوة واللعب بالمال العام . وما أن أطل الربيع حتى تفاقمت الأوضاع سوءً وتم نهب المال العام وطفت على سطح المجتمع طبقة من السماسرة الذين شوهوا صورة الدولة إلى الحضيض وكان الاحتكار للسلع والتلاعب بأسعار العملات والسطو على الأراضي ونمت طبقة ممن سطوا على المال العام حتى استعلت حرب الاجتياح الشيعي البغيض فتسلقت طبقات الرعاع لتكون طبقة حاكمة على مستوى الشارع بعد أن سقطت الدولة وفقدت هيبتها ليتحول كثير من العاطلين إلى جباه يقتطعون أرزاقهم من عرق الاخرين من أصحاب المهن وانتشر حمل السلاح لتنمو الجرائم المنظمة من قتل عمد وسطو مسلح واغتصاب وانتشار علني لتجارة المخدرات والحبوب الممنوعة وانتشر البسط على مرافق الدولة ومنافعها ذات الملكية العامة لتتحول إلى ملكية اشخاص وفوق كل ذلك فقد الحياء والاستحياء بل راح مرتكبي الجرائم يتمادون في غيهم على مرأى ومسمع من الناس في ظل سقوط الدولة وضعف سيادة القانون. في ظل الفوضى دائما ما تبرز الفئات الطفيلية تحاول البحث لها عن موقع في المجتمع وهي تحاول تفريغ أمراضها النفسية لتنشر الفساد في المجتمع , لون يكون ردع تلك الفئات إلا بالوقوف لها وإعادة هيبة القانون وفرض سيادته لأنه عند غياب الوازع الديني والاخلاقي لا بد أن تبرز سطوة السلطان وقوة القانون .